الثاني : في تفصيل المحقّق العراقي
قد فصّل المحقق العراقي قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي الكشفي ، بين ما لو اُخذ القطع في لسان الدليل على وجه الكاشفية ، فيقوم الاستصحاب بأدلّته مقام القطع ، وما لو كان المأخوذ نفي الشك ، فلا تفيد أدلّة الاستصحاب قيامه مقامه ، قال :
وأمّا الاصول المحرزة كالاستصحاب ، فقيامه مقام القطع الموضوعي ، مبني على أنّ التنزيل في « لا تنقض » ناظر إلى « المتيقّن » أو إلى « اليقين » . فعلى الأوّل ، لا يقوم مقام القطع الموضوعي ، لعين ما ذكرناه في الأمارات . وعلى الثاني ، يقوم مقام القطع الموضوعي تماماً أو جزءاً ، نظر إلى اقتضائه بتلك العناية لإثبات العلم بالواقع ، ومرجعه ـ على ما عرفت ـ إلى إيجاب ترتيب آثار العلم بالواقع في ظرف الشك به .
نعم ، حيث إنه لوحظ في موضوعه الجهل بالواقع والشك فيه ، يحتاج في قيام مثله مقام القطع الموضوعي إلى استظهار كون موضوع الأثر في الدليل هو صرف انكشاف الواقع محضاً بلا نظر إلى نفي الشك فيه ، وإلاّ فلا مجال لقيام الاستصحاب مقامه ، نظراً إلى ما عرفت من انحفاظ الشك بالواقع في موضوعه …(1) .
وحاصله : الفرق بين دليل الاستصحاب ودليل عدم اعتبار الشك من كثير الشك ، وعدم اعتبار السهو من المأموم مع حفظ الامام ، ونحوهما ، فتلك الأدلة تقوم مقام القطع ، لأنه ينفي الشكّ ، بخلاف دليل الاستصحاب ، لكونه يأتي باليقين في ظرف الشك مع حفظ الشك لا نفيه .
أقول :
والظاهر عدم تماميّة هذا التفصيل ، لأن دليل الاستصحاب وإنْ أفاد حفظ الشكّ ، لكنه الشك الوجداني ، وقد احتفظ عليه في الآن اللاّحق ليكون مع اليقين السابق موضوعاً لحرمة النقض عملاً ، وقد تقرّر أنْ لا تنافي بين اليقين التعبدي والشك الوجداني . وأمّا الشك الاعتباري، فينفيه إثبات اليقين ، لوجود الملازمة العرفية بين « أنت متيقّن » و « إنك لست بشاك » نعم ، نفي الشك لا يستلزم اليقين .
ولكنْ ، إذا كان كذلك ، فلماذا لا يقال بحجيّة الأصل المثبت ؟ فتدبّر .
(1) نهاية الأفكار ق 1 ج 3 ص 26 ـ 27 .