التجرّي قبيح عقلاً
أمّا القبح العقلي ، واستحقاق الذمّ واللّوم ، فلا ينبغي الرّيب في ثبوته ، فقد ذكرنا في مباحث المعرفة الدينية وبيان مقامات أئمة الهدى عليهم السلام ، بالاستفادة ممّا ورد عنهم بعد الكتاب المجيد : أنّ المدار في القرب والبعد من اللّه عزوجلّ هو الانقياد والطاعة والتمرّد والمعصية له ، فقد ورد عنهم عليهم السّلام أنه إنما بلغ أمير المؤمنين عليه السلام المقام الذي لا يتقدّم عليه فيه أحد من الأوّلين والآخرين ـ سوى رسول اللّه ـ إلاّ بطاعته للّه ورسوله ، فهذا ما دلّت عليه الأدلّة النقليّة(1) .
ولا شك أن العقل يدرك حسن الانقياد للمولى الحقيقي وقبح المخالفة لأوامره ونواهيه ، لكونها خروجاً عن رسم العبودية وهتكاً لحرمته ، ومن هنا يحكم بقبح الفعل المتجرّى به وأنّ فاعله يستحقّ الذمّ واللّوم .
وليس لأحد أنْ يقيس التجرّي على المولى الحقيقي بالتجرّي على أحد من الناس ، بأنْ يجعل تعدّي حدوده على حدّ التصرّف في مال بتخيّل أنه لزيد ثم تبيّن كونه مالاً لنفسه ، فكما لا يكون في هذه الصّورة ظالماً لزيد ، كذلك لا يكون هاتكاً للمولى إذا شرب المائع بقصد كونه خمراً وتبيّن كونه ماءً ، فإنّ هذا قياس مع الفارق ، كما لا يخفى على أهل المعرفة .
وعلى الجملة ، فإنه لا ينبغي الريب في ترتّب الذمّ واللّوم ، وإنّما الكلام في ترتّب الأزيد من ذلك .
هذا ، وقد نسب إلى الشيخ انحصار التجرّي بهذه المرحلة فقط ، لكنّ الاستاذ ـ في الدّورة اللاّحقة ـ تنظّر في هذه النسبة ، وأفاد بأنّ الشيخ غير جازم بعدم ترتب غير اللّوم والذم .
(1) بحار الأنوار 25 / 286 ـ 287 .