الاستدلال للحرمة بقاعدة الملازمة
الوجه الثاني : قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع .
أمّا حكم العقل بقبح التجري بأنْ يكون مستتبعاً لاستحقاق العقاب ، فقد قال الشيخ(1) :
إنه قد يقرّر دلالة العقل على ذلك ، بأنا إذا فرضنا شخصين قاطعين ، بأنْ قطع أحدهما بكون مائع معيّن خمراً ، وقطع الآخر بكون مائع آخر خمراً ، فشرباهما ، فاتفق مصادفة أحدهما للواقع ومخالفة الآخر ، فإمّا أنْ يستحقّا العقاب ، أوْ لا يستحقه أحدهما ، أو يستحقّه من صادف قطعه الواقع دون الآخر ، أو بالعكس .
لا سبيل إلى الثاني والرابع ، والثالث مستلزم لإناطة استحقاق العقاب بما هو خارج عن الاختيار ، وهو مناف لما يقتضيه العدل . فتعيّن الأول .
وأمّا حكم الشرع ، فبقاعدة : كلّ ما حكم به العقل حكم به الشّرع .
فإذا ثبت قبح التجري ـ قبحاً مستتبعاً لاستحقاق العقاب ـ كان ملازماً للحرمة ويترتّب العقاب .
لكن لا يخفى أنّ العقاب إنما يترتّب على « هتك المولى » ، هذا العنوان الجامع بين التجرّي والعصيان ، لا على العصيان ، لأنا لو قلنا بحرمة المعصية حرمةً شرعيّة ، لزم التسلسل ، لأنّ المعصية محرّمة ، وارتكاب الحرام معصية اخرى وهكذا .
وأيضاً : فإن المعصية عبارة عن مخالفة الحكم الواقعي ، وهي خارجة عن الاختيار ، وما كان كذلك فلا يكون موضوعاً للقبح واستحقاق العقاب … .
فالموضوع هو الهتك والخروج عن زيّ العبوديّة ، وهو عنوان جامع بين المعصية والتجرّي .
هذا محصّل ما قيل في وجه الاستدلال .
لكنْ يرد على ما ذكر قبل الإشكال في الاستدلال بقاعدة الملازمة :
أنه لا ريب في أنّ متعلّق الحرمة هو مطلق الوجود ، فإذا قال : يحرم الخمر ، توجّهت الحرمة إلى جميع أفراد الخمر وانحلّت الحرمة بعددها ، ـ بخلاف الوجوب ، فإن متعلّقه صرف الوجود ، ويحصل الامتثال بتحقق فردمّا من أفراد الواجب ـ فلو كان متعلّق القبح والحرمة هو العنوان الجامع بين التجري والمعصية ، كانت المعصية ـ لا محالة ـ مصداقاً للجامع كالتجري ، وتوجّهت الحرمة إليها ، لأنّ الحرمة تسري من الجامع إلى الحصّة كما لا يخفى ، وإلاّ لزم عدم انحلال الحرمة ، وحينئذ ، يأتي إشكال التسلسل .
وأمّا الكلام في أصل الاستدلال ، فقد عرفت أنه يتكون من مقدّمتين :
احداهما : قبح التجري .
والاخرى : انطباق قاعدة الملازمة .
(1) فرائد الاصول 1 / 38 .