الإشكال الثالث
إنه يستحيل أنْ يكون هذا القبح في المقام مستتبعاً للحكم الشرعي ، وذلك : لأنّ القبح الذي يتوهّم استتباعه للحكم الشرعي :
لو كان خصوص القبح الثابت لعنوان التجرّي ، أي مخالفة القطع المخالف للواقع بهذا العنوان . ففيه :
أوّلاً : إنه لا وجه لهذا الاختصاص ، لما عرفت من أنّ حكم العقل بالقبح بالقياس إلى صورة مصادفة القطع للواقع ومخالفته يكون على حدّ سواء ، وملاكه ـ وهو الهتك والجرأة على المولى ـ يكون موجوداً في كلتا الصورتين .
وثانياً : لازم هذا أن يكون المحرّم مخالفة القطع بعنوان كونه مخالفاً للواقع ، وهذا الحكم غير قابل للمحركيّة أصلاً ، لأن من مبادئ قدرة المكلّف على الامتثال المعتبرة عندهم في صحة التكليف ، هو الالتفات إلى الموضوع ، والالتفات إلى هذا العنوان يكون مساوقاً لزواله ، نظير الالتفات إلى النسيان ، فكما لا يمكن تكليف الناسي بهذا العنوان ، كذلك لا يمكن تكليف القاطع بعنوان مخالفة قطعه للواقع ، فعلى مسلك المشهور لا يصح هذا التكليف .
وأمّا لو كان القبح المستتبع للحكم المولوي الشرعي القبح الجامع الثابت في التجري والمعصية الواقعية ، فلازمه التسلسل وأن يكون هناك أحكام غير متناهية وعصيانات غير متناهية وعقوبات غير متناهية ، وذلك .
لأن العصيان لو كان حراماً شرعاً فحرمته أيضاً حكم شرعي فعصيانها أيضاً قبيح ، فلابدّ وأن يكون حراماً ، وهكذا إلى ما لا نهاية له ، والتجري قبيح فلابدّ وأن يكون حراماً ، فعصيانه أيضاً كذلك وهكذا إلى أن يتسلسل ، ومن البديهي أنا إذا راجعنا وجداننا لا نرى في أنفسنا إرادات أو كراهات عديدة في البعث نحو شيء واحد أو الزجر عنه .
هذا مضافاً إلى أنه لا يبعد أن يكون ذلك مستلزماً لعدم الفرق بين المعاصي من حيث العقوبة ، فإنها في جميعها غير متناهية على الفرض .(1)
(1) دراسات في علم الاصول 3 / 33 .