الإشكالات على الشيخ
قد تقدّم كلام الشيخ رحمه اللّه ، وحاصله هو القول بأصالة الإمكان إعتماداً على بناء العقلاء .
وقد اورد عليه بوجوه من الإشكال :
الأوّل : منع كون سيرة العقلاء على ترتيب آثار الإمكان عند الشكّ فيه .
والثاني : منع حجيّة هذه السيرة لو سلّم ثبوتها ، لعدم قيام دليل قطعي على اعتبارها ، والظن بها لو كان حاصلاً غير مفيد ، لأنّ الكلام الآن في إمكان التعبّد بالظن ، فكيف يمكن إثباته بالظن ؟
والثالث : إنه على تقدير التسليم بالسّيرة وحجيّتها ، لا فائدة في هذا البحث أصلاً ، لأنه مع قيام الدليل على وقوع التعبّد لا معنى للبحث عن إمكانه ، لوضوح أنّ الوقوع أخصّ من الإمكان ، فثبوته كاف لثبوته .
وهذه الإشكالات من المحقق الخراساني(1) .
والرّابع ـ وهو من المحقق النائيني(2) ـ إنه لو سلّم بالسّيرة العقلائية المذكورة فهي في الإمكان التكويني دون الإمكان التشريعي، ومحلّ الكلام هو الثاني .
أقول :
أمّا الإشكال الأخير ، فقد تقدّم منّا ما فيه ، في المراد من الإمكان .
وأمّا الإشكالات المتقدّمة فنقول :
إن كان المراد أنه إذا قام دليلٌ تامٌ سنداً ودلالةً على الحكم الشرعي ، فإن السيرة العقلائية قائمة على عدم الاعتناء باحتمال الاستحالة ، ـ وهذا ما احتمله السيّد الاستاذ(3) والسيّد الصّدر(4) ـ في غاية المتانة ولا يرد عليه الإشكال ، لأنّ هذه السّيرة ثابتة ، وهي جارية من العقلاء في مطلق الاحتجاجات ، فإذا وصلهم الدليل على حكم من المولى يحتجّون به ولا يجعلون احتمال الاستحالة عذراً لترك العمل .
وإنْ كان المراد قيام السيرة العمليّة منهم في موارد الشك في الإمكان الذاتي أو الوقوعي على الإمكان ، فهذا غير تام والإشكال وارد ، ولعلّ هذا هو ظاهر عبارة الشيخ بأنه عند عدم وجدان موجب الاستحالة ، فإنّ السيرة قائمة على الإمكان ، إذْ أنّ هذا الإطلاق بظاهره غير صحيح ، ولذا نقول بأنّ مراد الشيخ هو صورة كون الدليل تامّاً في باب الحجج والأدلّة على المقاصد والمرادات ، وعليه ، فلا يرد الإشكال .
وعلى الجملة ، فإنّ إطلاق كلامه غير صحيح ، ولابدّ من الحمل على ما ذكرناه .
على أنه يرد عليه : أن عدم وجدان الموجب للاستحالة لا يكون منشأً للحكم حتى في الأحكام العقلائية ، لأن الحكم عبارة عن الإذعان والتصديق بوجود الرابط بين المحمول والموضوع ، وهذا أمر وجودي نفساني ، وليس عدم الوجدان بدليل على وجود الرابط ، والحكم بالإمكان عبارة عن قضيّة ثلاثية في الماهيات والاعتباريات ، فقولنا : التعبّد بالظن ممكن ، هو مثل قولنا : زيد قائم ، فيحتاج وجود الرابط إلى إقامة الدليل عليه ولا يكفي للدلالة عدم الوجدان ، والقول بأن عدم الوجدان دليل العدم ، باطل شرعاً وعقلاً وعقلاءً .
هذا بالنسبة إلى ما ذكره الشيخ .
ولكنّ التحقيق أنْ يقال : إن العقلاء إذا لم يجدوا موجب الاستحالة ، يعملون بالدليل الحجة الواصل ولا يرتّبون أثر الامتناع ، وهذا ما قامت عليه السيرة ، وهو غير الحكم بالإمكان .
وعلى الجملة ، فإن السيرة العقلائيّة قائمة على أصالة الإمكان ، لكن بالمعنى الذي ذكرناه .
(1) كفاية الاصول : 276 .
(2) أجود التقريرات 3 / 109 .
(3) منتقى الاصول 4 / 141 .
(4) بحوث في علم الاصول 4 / 193 .