إشكال الميرزا النائيني
قال الميرزا :
ولا يخفى عليك أنّ لازم هذه المقدّمات وإنْ كان هو استحقاق المتجرّي للعقاب بملاك استحقاق العاصي له ، إلاّ أنّ المقدّمة الثالثة والرابعة منها محلّ نظر بل منع .
قال :
أمّا المقدّمة الثالثة ، فلأنّ العلم وانكشاف الواقع وإنْ كان هو الموضوع في هذا الحكم العقلي ـ كما عرفت في المقدمة الثانية ـ إلاّ أنه غير متحقّق في باب التجرّي ، والمتحقّق في مورده هو الجهل المركّب ، وأنّى لهم بإثبات سراية أحكام العلم للجهل .
وبالجملة ، إنّ ما يقتضيه وظيفة العبوديّة هو لزوم انبعاث العبد عن البعث الواصل إليه ، وأمّا لزوم انبعاثه عن البعث التخيّلي ، فلا يحكم به العقل أصلاً ، لعدم كون ترك هذا الانبعاث ظلماً للمولى . والحاصل : إن حكم العقل بوجوب الطاعة وحرمة المعصية ، إنما هو بملاك العبوديّة والمولويّة ، وهذا الملاك غير متحقّق في موارد التجرّي قطعاً .
قال :
وأمّا المقدّمة الرابعة ، فلأن ملاك استحقاق العقاب وإنْ لم يكن هو القبح الفعلي كما أفاده ، إلاّ أنّ ذلك لا يستلزم كون القبح الفاعلي الموجود في صورة التجري ملاكاً له أيضاً .
بيان ذلك : إن القبح الفاعلي المتحقّق في فرض العصيان ليس أمراً مغايراً للقبح الفعلي الواصل إلى المكلّف ، بل نفس القبح الفعلي ـ بعد فرض علم المكلّف به ـ يوجب اتّصاف الفعل بالقبح الفعلي ، وهذا هو الملاك في استحقاق العقاب . وأمّا القبح الفاعلي الموجود في التجرّي فهو مغاير لهذا المعنى من القبح الفاعلي ، وإنما هو مجرد كشف الفعل عن سوء السريرة وشقاء الفاعل ، وأين ذلك من القبح الفاعلي الموجود في فرض العصيان ؟(1)
(1) أجود التقريرات 3 / 54 ـ 55 .