إشكال المحقق الإصفهاني
قال في التعليق على قول الكفاية : ولحاظهما في أحدهما آليّ وفي الآخر استقلالي :
لا يذهب عليك أنّ القطع والظن حين تعلّقهما بشيء طريق صرف ، وليس الملحوظ في تلك الحال على وجه الأصالة والإستقلال إلاّ ذلك الشيء ، والقطع مثلاً نحو حضور المعنى عند النفس ، وهو معنى لحاظه . وليس للقطع لحاظ لا آليّاً ولا استقلالياً ، بل هو عين لحاظ الغير ، فليس كالمرآة حتى يعقل أنْ ينظر فيها إلى شيء فتكون منظورةً بالتبع ، بل القطع عين لحاظ الذهن ونظره إلى المعلوم .
بل القطع كما لا يكون ملحوظاً آليّاً ، كذلك ليس آلةً ، لعدم تعقّل كون لحاظ الشيء آلة للحاظه ، كما لا يعقل أنْ يكون آلةً لذات الشيء أو لوجوده الخارجي .
قال :
إذا عرفت ذلك فاعلم : أن القطع إنما يتّصف بالطريقية والمرآتية عند تعلّقه حقيقةً بالشيء ، وفي غير تلك الحال لا يعقل أن يلاحظ إلاّ استقلالاً . وليس القطع بما هو من وجوه متعلّقه وعناوينه حتى يعقل لحاظه تارةً بنحو الفناء في المعنون وذي الوجه ، واخرى بنفسه ، بمعنى أنْ يكون تارةً ما به ينظر واخرى ما فيه ينظر ، وكيف يعقل لحاظ صفة القطع على الوجه الذي هو عليه حال تعلّقه بشيء حقيقةً في مقام تنزيل شيء منزلته ، إذ الآلة لا يعقل أن تكون طرفاً ؟(1)
أقول :
ويتلخّص هذا الكلام في نقاط :
1 ـ إن القطع حضور المعنى عند النفس ، وهذا معنى لحاظه .
2 ـ ليس نسبة القطع إلى متعلّقه نسبة المرآة إلى المرئي ، فإنّ المرآة قد تُلحظ باللّحاظ الاستقلالي وبقطع النظر عن المرئي ، فتكون ما فيه ينظر ، وقد تلحظ باللّحاظ الآلي طريقاً إلى المرئي ، فتكون ما به ينظر ، فليس للقطع لحاظ لا آليّاً ولا استقلاليّاً .
3 ـ لا يكون القطع آلةً ، لعدم تعقّل كون لحاظ الشيء آلةً للحاظه .
4 ـ ليس نسبة القطع إلى المتعلّق نسبة الوجه إلى ذي الوجه والعنوان إلى المعنون ، فليس مثل عنوان الفقيه مثلاً حيث يمكن النظر إليه بعنوانه فيكون اللّحاظ استقلالياً ، ويمكن النظر إليه فانياً في مصاديقه فيكون اللّحاظ آليّاً .
والحاصل : عدم تعقّل اللّحاظين في القطع ، حتى يلزم محذور الاجتماع .
قال :
نعم ، يمكن تقريب الإشكال بوجه آخر وهو :
إن القطع والظن حيث أنهما متقوّمان بذات المقطوع والمظنون ، فثبوت أحدهما يستلزم ثبوت الآخر ، فالأمر بترتيب الأثر على الظن يمكن أن يكون على وجه الكناية أمراً بترتيب الأثر على لازمه وهو ذات المظنون ، كما يمكن أن يكون على وجه الأصالة والحقيقة أمراً بترتيب الأثر على نفسه ، ولا يعقل ملاحظة الظن قنطرةً للانتقال إلى لازمه وهو ذات المظنون ، وملاحظته لا على هذا الوجه بل على وجه الحقيقة والأصالة ، فلا يعقل أن يكون القضية الواحدة كنائية وحقيقيّة ، فيكون نظير الجمع بين اللّحاظ الآلي واللّحاظ الاستقلالي في الاستحالة(2) .
أقول :
توضيحه :
إن القطع من الامور ذات التعلّق ، فهو متقوّم بذات المقطوع ، فإذا قطعت بعدالة زيد ، كان قوام مفهوم القطع عدالته ، وكذلك الظن ، فإذا قامت البيّنة على عدالة زيد ، حصل لك الظنُّ بعدالته ، وهي قوام الظن ، فلا تحقّق للقطع والظن بدون المتعلّق ، فهناك تلازم بين القطع ومتعلّقه والظن ومتعلّقه ، فإذا أمر الحاكم بترتيب الأثر على الظنّ وتنزيله بمنزلة الواقع ، أمكن أن يكون ـ على وجه الكناية ـ أمراً بترتيب الأثر على لازمه وهو ذات المظنون ، أي عدالة زيد ، بتنزيلها منزلة الواقع ، وأمكن أن يكون ـ على وجه الحقيقة ـ أمراً بترتيب الأثر على نفس الظن ، فيجتمع في الخطاب الواحد أن تكون القضية كنائية وحقيقية ، فيكون نظير الجمع بين اللحاظ الآلي واللحاظ الاستقلالي في الاستحالة . ومثاله : قولهم : زيد كثير الرماد ، فإنّ هذا الكلام عندهم كناية عن جود زيد ، فلو اُريد مع ذلك المعنى الحقيقي منه ، اجتمع الكنائيّة والحقيقة ، وهو محال .
لأن الكناية هي عدم لحاظ الحقيقة ، والحقيقة هي عدم لحاظ المعنى المجازي ، فلا يجتمعان … .
وبعبارة اخرى : إنْ لوحظ المعنى الحقيقي لم يكن القطع أو الظن قنطرة للإنتقال إلى اللاّزم ، وإنْ لم يلحظ كان قنطرةً ، والجمع بين كونه قنطرة وعدم كونه قنطرةً جمع بين النقيضين وهو محال .
(1) نهاية الدراية 3 / 51 .
(2) نهاية الدراية 3 / 52 .