أحكام القطع
قال الشيخ الأعظم قدّس سرّه :
لا إشكال في وجوب متابعة القطع والعمل عليه مادام موجوداً ، لأنه بنفسه طريق إلى الواقع ، وليست طريقيّته قابلة لجعل الشارع إثباتاً أو نفياً(1) .
فهو يرى وجوب متابعة القطع والعمل على طبقه ، ويعلّل ذلك بكونه طريقاً إلى الواقع ، فوجوب العمل به ناشئ من طريقيّته الذاتية . لكنه لم يوضّح أنّ الطريقية له عين ذاته أو من لوازمها ؟
وقال صاحب الكفاية :
لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلاً ولزوم الحركة على طبقه جزماً ، وكونه موجباً لتنجّز التكليف الفعلي فيما أصاب باستحقاق الذم والعقاب على مخالفته ، وعذراً فيما أخطأ قصوراً . وتأثيره في ذلك لازم وصريح الوجدان به شاهد وحاكم ، فلا حاجة إلى مزيد بيان وإقامة برهان . ولا يخفى أنّ ذلك لا يكون بجعل جاعل، لعدم جعل تأليفي حقيقة بين الشيء ولوازمه بل عرضاً بتبع جعله بسيطاً(2) .
فأفاد رحمه اللّه وجوب العمل على طبق القطع ، وأنه منجّز ومعذّر ، وجعل الدليل على ذلك الوجدان ، فكأنّه بيَّن قول الشيخ « بأنّه طريق بنفسه » ـ بأنّ ذلك وجداني ولا يحتاج إلى إقامة برهان .
فكلاهما يقولان بوجوب متابعة القطع ، لكن المحقق الخراساني أضاف المنجزية والمعذرية أيضاً … .
فظهر مورد الاشتراك بين الكلامين ومورد الامتياز .
فقال المحقق الاصفهاني بشرح الكفاية :
المراد بوجوب العمل عقلاً ليس إلاّ إذعان العقل باستحقاق العقاب على مخالفة ما تعلّق به القطع ، لا أن هناك بعثاً وتحريكاً من العقل أو العقلاء نحو ما تعلّق به ، ضرورة أنه لا بعث من القوة العاقلة ، وشأنها إدراك الأشياء ، كما أنه لا بعث ولا تحريك اعتباري من العقلاء(3) .
أمّا المحقق العراقي فقال :
لا شبهة في وجوب متابعة القطع عقلاً ، والوجه فيه ظاهر ، فإن القطع من جهة كونه بذاته وحقيقته عين انكشاف الواقع بالكشف التام والوصول إليه ، بحيث يرى القاطع نفسه واصلاً إلى الواقع ، إذا فرض تعلّقه بحكم من الأحكام يكون له السببيّة التامّة لحكم العقل تنجيزاً بوجوب المتابعة ، على معنى حكمه بلزوم صرف الغرض والإرادة نحو أمتثال أمر المولى الراجع إليه أيضاً حكمه بحسن الإطاعة وقبح المخالفة … .(4)
فأرجع الأمر إلى قضيّة حكم العقل بحسن الإطاعة وقبح المخالفة .
ووافق الميرزا الشيخ رحمه اللّه ، إلا أنه في الدّورة الاولى جعل الطريقيّة من لوازم القطع ،(5) وفي الثانية(6) جعلها عين القطع .
(1) فرائد الاصول 1 / 29 .
(2) كفاية الاصول : 258 .
(3) نهاية الدراية 3 / 17 ـ 18 .
(4) نهاية الأفكار ق 1 ج 3 ص 3 .
(5) فوائد الاصول 3 / 6 .
(6) أجود التقريرات 3 / 12 .