و أمّا في الجهة الثالثة
فالمهمُّ هو التحقيق عن وضع أدواة الخطاب، لأنّها إنْ كانت موضوعةً للخطاب الحقيقي، كانت الخطابات الشرعية مختصّةً بالحاضرين، فلا تشمل الغائبين فضلاً عن المعدومين، وإن كانت موضوعةً للخطاب الإنشائي شملت المعدومين والغائبين كالحاضرين المشافهين.
وقد ذهب صاحب (الكفاية)(1) في هذه الجهة إلى أنّ الموضوع له الأدواة هو الخطاب الإنشائي، فتعمّ الغائب والمعدوم، بدليل استعمالها في خطاب المعدوم بل غير العاقل بلا أيّة عناية، (قال): ولا يتوهّم وجود العناية، لأنّه لو كان هناك علاقة وعناية لعلم بها المتكلّم، لأن الخطاب فعلٌ من أفعاله ولا يعقل عدم التفاته إلى العناية، فهو يخاطب الدار والجدار والكواكب والأشجار مثلاً بنفس كلمة «يا» التي يستعملها مع ذوي العقول… فهذا برهان على عموم الوضع… نعم، المنصرف إليه هذه الأدواة مع عدم القرينة هو الخطاب الحقيقي… وعلى الجملة، فإنّ جميع الخطابات الموجودة في الكتاب والسنّة محمولة على الخطاب الإيقاعي الإنشائي، لوجود القرائن، فهي عامّة للحاضرين والغائبين والمعدومين.
(1) كفاية الاصول: 229 ـ 230.