نقد هذا الرأي
ويرد عليه: أنّ في مدلول (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)(1) ونحوه مسلكين، فقيل: إن هذه الحليّة لمّا تعلّقت بالبيع كانت ظاهرة عرفاً في خصوص الحكم الوضعي له وهو الصحّة. وإليه ذهب جماعة. وقيل: إنّها باقية على ظهورها الأوّلي ـ وهو الجواز ـ فيكون ملائماً للحكم التكليفي والوضعي معاً.
أمّا على الأوّل، فلا مجال لما ذكره، لأن غاية ما يدل عليه النهي هو المبغوضية، فإذا تعلّق بمعاملة أفاد كونها مبغوضةً، أما الفساد فلا، لما تقدَّم من أن النسبة بين المبغوضية والفساد هي العموم من وجه.
وأمّا على الثاني، فإنّ دلالة الآية على الحليتين في كلّ معاملة، إنّما هي بالإطلاق، وهو في قوة الاستغراق، فلو قال: «أكرم العالم» ولم يقيّد، أفاد وجوب إكرام كلّ عالم بنحو الاستغراق لا بنحو المجموع، فإذا ورد النهي عن معاملة وأفاد حرمتها رفع الحلية التكليفيّة، أمّا الوضعيّة فهي باقية ولا دليل على زوالها.
هذا أولاً.
وثانياً: حمل الآية المباركة على العموم المجموعي أوّل الكلام، لما سيجيء في بحث العام والخاص من أنّ حمل العموم على هذا القسم منه يحتاج إلى مؤنة إضافية، بخلاف العموم الاستغراقي، فإنه هو مقتضى الظهور الأوّلي، وذلك لأن العموم المجموعي هو جعل الوحدة في عالم الإعتبار بين اُمور متفرقة حقيقةً ثم الحكم عليها بحكم واحد، وأين الدليل على اعتبار الشارع الوحدة في الآية بين الحليّتين؟
(1) سورة البقرة: الآية 275.