مفهوم الحصر
وللحصر أدوات. منها كلمة (إلاّ)، وهي تدلّ عليه إذا كانت بمعنى الإستثناء، أما عندما تكون بمعنى الصّفة فلا، لما تقدّم من أن لا مفهوم للوصف.
وأمّا دلالتها على الحصر في صورة كونها بمعنى الإستثناء، فلأن الإستثناء هو نفي الحكم الثابت في المستثنى منه أو إثبات الحكم المنفي، فلما يقول: «أكرم العلماء إلاّ الفساق» يخرج الفسّاق ويعزلهم عن العلماء في الحكم الثابت لهم وهو الإكرام، فينحصر الحكم بالعدول منهم… وهذا هو المرتكز عند العرف، ولذا يرون التناقض فيما لو قال ذلك ثم أمر بإكرام الفسّاق كذلك.
ولم يخالف في هذا إلاّ أبو حنيفة مستدلاًّ بـ«لا صلاة إلاّ بطهور»(1).
وقد أجيب بوجوه، أمتنها ما في حاشية (الكفاية)(2): من أن مثل هذا الكلام ظاهر عرفاً في الاشتراط، أي إنّ الصّلاة مشروطة بالطّهارة.
والحاصل أن لا شبهة في دلالة الاستثناء على الإنحصار.
إنما الكلام في أنها دلالة منطوقية أو مفهوميّة؟
اختار الأُستاذ وغيره الأول تبعاً للميرزا، ثم قال: بأن البحث عن ذلك قليل الجدوى، بعد ثبوت أصل المطلب.
ومن أدواة الاستثناء المفيدة للحصر كلمة «إنما»، وقد نصّ علماء(3) اللّغة والنحو على دلالتها على ذلك، وهو المتبادر منها… وقد كابر الفخر الرازي(4) مدّعياً النقض بقوله تعالى (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماء أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ)(5) و(إِنَّمَا الحَْيَوةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ…)(6).
وقد أُجيب عن ذلك بالتفصيل في (المحاضرات)(7).
ثم إن صاحب (الكفاية) تعرض لكلمة التوحيد وأنه هل الخبر هو «ممكن» أو «موجود». فإنْ كان الأول، أفاد إمكان الذات وليس هو المقصود. وإن كان الثاني، أفاد الوجود ولا ينفي الإمكان عن غير البارئ.
فذكر إمكان جعل «الممكن» هو الخبر، ولا يقع أي إشكال، لأن هذا الإمكان هو الإمكان العام، وهو في الواجب مساوق لضرورة الوجود، لا الإمكان الخاص، لأنه يقابل وجوب الوجود، إذ هو سلب الضرورة عن الوجود والعدم.
وأمّا ما في تقرير بحث السيّد البروجردي رحمه اللّه من أن هذه الكلمة تنفي العبادة عن غير اللّه ولا تنفي الالوهيّة عن الغير، فلا ربط لها بالتوحيد(8)، مستدلاًّ بأنّ المشركين في ذلك الوقت كانوا مشركين في العبادة لأنهم كانوا يقولون (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلى اللَّهِ زُلْفَى)(9) ولم ينكروا صفات اللّه كالخالقيّة والرازقيّة.
فغفلة عن الآيات، فإنهم كانوا ينكرون الالوهيّة للّه كما في قوله تعالى (وَكَذلِكَ نُري إِبْراهيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَاْلأَرْضِ…)(10) وفي قوله تعالى (لَذَهَبَ كُلُّ إِله بِما خَلَقَ)(11) ونحو ذلك.
فالكلمة مرتبطة بالتوحيد.
(1) وسائل الشيعة 1 / 315.
(2) كفاية الاصول: 209 ـ 210.
(3) قال الفيّومي: «قيل: تقتضي الحصر»، قال الجوهري: «إذا زدت (ما) على (إنّ) صارت للتعيين…» المصباح المنير: 26.
(4) التفسير الكبير 12 / 30.
(5) سورة يونس: الآية 24.
(6) سورة محمّد: الآية 36.
(7) محاضرات في اصول الفقه 4 / 288.
(8) نهاية الاصول: 283.
(9) سورة الزمر: الآية 3.
(10) سورة الأنعام: الآية 75.
(11) سورة المؤمنون: الآية 91.