كلام الكفاية في تقريب الجريان
قال صاحب (الكفاية): لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالإستثناء من المتّصل، لمّا كان غير معنون بعنوان خاص بل بكلّ عنوان لم يكن ذلك بعنوان الخاص، كان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد ـ إلاّ ما شذّ ـ ممكناً، فبذلك يحكم عليه بحكم العام وإنْ لم يجز التمسّك به بلا كلام. ضرورة أنه قلّما لم يوجد عنوان يجري فيه أصل ينقّح به أنه ممّا بقي تحته. مثلاً: إذا شك في امرأة…(1).
فالمحقق الخراساني من القائلين بجريان استصحاب العدم الأزلي وتوضيح كلامه هو:
إنّ العام إذا أصبح موضوعاً للحكم، فهو موضوع له بجميع العناوين والانقسامات، فإذا قال: أكرم العلماء، شمل «العالم» الفاسق والعادل وغير الفاسق وغير العادل… وكلّ واحد من هذه العناوين موضوع للحكم بوجوب الإكرام، لأن «العالم» يشملها كلّها وهي مندرجة تحته، ثم لمّا جاء المخصّص، فإنْ كان منفصلاً أو كان متّصلاً لكنه من قبيل الاستثناء بـ«الاّ» وشبهه، لم يؤثّر إلاّ الإخراج فقط، أمّا إنْ كان متّصلاً ولم يكن من قبيل «إلاّ وشبهه» كما لو قال: أكرم العلماء العدول، فإنّه يفيد الإخراج من تحت العام وتعنون العام وتقيّده بغير الفسّاق.
قال: إلاّ ما شذ.
يعني: مورد توارد الحالتين من الفسق والعدالة.
إذن، فهو يرى جريان استصحاب العدم الأزلي إلاّ في مورد توارد الحالتين.
ثم طبّق هذه الكبرى على المرأة القرشيّة، لأن الدليل أفاد أنّ المرأة ترى الحمرة إلى خمسين سنة… و«المرأة» موضوعٌ يندرج تحته جميع أصناف المرأة وانقساماتها، ومنها المرأة التي ليس بينها وبين قريش انتسابٌ. لكنْ قد ورد في خصوص القرشية أنها ترى الحمرة إلى الستّين، فأخرج هذا القسم من تحت الدّليل السابق من غير أن يتقيّد الموضوع ـ أي المرأة ـ بقيد، لكون هذا المخصّص من قبيل الإستثناء، فإذا شكّ في امرأة معيّنة بنحو الشبهة المصداقيّة: هل لمّا وجدت وجد معها الانتساب إلى قريش أو لا؟ جرى استصحاب العدم وحكم بعدم وجود تلك النسبة، فيكون الدم الذي تراه بعد الخمسين محكوماً بالإستحاضة لا الحيض….
فظهر أنّ استصحاب العدم الأزلي جار بناءً على الخصوصيّات المذكورة، سواء في الأوصاف الذاتية كالقرشيّة والعرضيّة كالفسق، إلاّ في مورد توارد الحالتين من الفسق والعدالة حيث تنتقض الحالة السابقة فلا يجري الإستصحاب.
هذا بيان مطلب (الكفاية).
(1) كفاية الاصول: 223.