كلام الإصفهاني
وقال المحقق الإصفهاني ما حاصله(1): إنّ الماهيّة المهملة هي الماهيّة التي تلحظ بذاتها وذاتيّاتها، ولا يتجاوز اللّحاظ عن ذلك إلى شيء آخر حتى عدم لحاظ الشيء الآخر، بأنّ يلحظ في ماهيّة الإنسان «الحيوان الناطق» دون غيره، بحيث أنّ «دون غيره» أيضاً غير داخل في الذات الملحوظة، فهذه هي «الماهيّة المهملة» وهي التي «ليست إلاّ هي من حيث هي».
وإذا لوحظت الماهية بهذا اللّحاظ، كانت مجرّدةً من الوجود ـ الذهني والخارجي ـ ومن العدم، إذ ليس مورد اللّحاظ إلاّ الذات، ولا مانع من ارتفاع النقيضين في مرتبة الذات… فالإنسان في مرتبة الذات لا موجود ولا معدوم.
فإنْ لوحظت ماهيّة الإنسان ـ مثلاً ـ بالقياس إلى خارج الذات، انقسمت إلى الاعتبارات الثلاثة، وهي البشرط واللاّبشرط والبشرط لا، لأنّ تلك الخصوصيّة التي لوحظت الماهيّة بالإضافة إليها، قد تقترن بالماهيّة فيكون بشرط شيء، وقد يعتبر عدم اقترانها بها فيكون بشرط لا، وثالثة لا يعتبر الاقتران ولا عدم الاقتران فيكون لا بشرط. وهذه الماهيّة الملحظة بالقياس إلى خارج ذاتها والمنقسمة إلى الأقسام الثلاثة، هي الماهيّة اللاّبشرط المقسمي.
فماهيّة الإنسانية إنْ لوحظت في حدّ ذاتها وذاتياتها مجرّدةً عن أيّ شيء آخر، سمّيت بالماهيّة المهملة، وإنْ لوحظت بالقياس إلى خارج الذات وانقسمت إلى الإعتبارات الثلاثة، سميت باللاّبشرط المقسمي….
فظهر افتراق «الماهيّة المهملة» عن «اللاّبشرط المقسمي».
واللاّبشرط المقسمي له ثلاثة أقسام كما ذكر، لأنّ الماهيّة إن لوحظت مشروطةً بالتجرّد عن أيّ خصوصية، فهي «بشرط لا»، وإنْ لوحظت مع شرط ـ وإنْ كان الشرط هو الإرسال ـ فهي «بشرط شيء» وإنْ لوحظت لا بشرط عن وجود وعدم شيء من الخصوصيات فهي «لا بشرط القسمي».
ثم إنّ الموضوع له لفظ «الإنسان» هو «الماهيّة المهملة»، لكنّ موضوع البحث في باب المطلق والمقيَّد هو «اللاّبشرط المقسمي» حيث يلحظ ماهيّة «الإنسان» لا بشرط عن شيء حتى من نفس اللاّبشرطيّة.
فظهر افتراق الموضوع له اللّفظ عن موضوع البحث.
هذا، وسيأتي بيان افتراق «اللاّبشرط القسمي» عن «الكلّي الطبيعي».
(1) نهاية الدراية 2 / 490.