قول المحقق الحائري بعدم الفساد
قال رحمه اللّه: الحق أنه لا يقتضي الفساد. أمّا في العبادات، فلأن ما يتوهّم كونه مانعاً عن الصحّة كون العمل مبغوضاً، فلا يحصل القرب المعتبر في العبادات به. (قال) وفيه: إنه من الممكن أن يكون العمل المشتمل على الخصوصية موجباً للقرب من حيث ذات العمل، وإنْ كان إيجاده في تلك الخصوصية مبغوضاً للمولى. وبعبارة اخرى: فكما أنّا قلنا في مسألة اجتماع الأمر والنهي بإمكان أنْ يتّحد العنوان المبغوض مع العنوان المقرب، كذلك هنا من دون تفاوت، فإن أصل الصّلاة شيء وخصوصيّة إيقاعها في مكان مخصوص ـ مثلاً ـ شيء آخر مفهوماً وإن كانا متحدين في الخارج. نعم، لو تعلّق النهي بنفس المقيَّد ـ وهي الصّلاة المخصوصة ـ فلازمه الفساد، من جهة عدم امكان كون الطبيعة من دون تقييد ذات مصلحة توجب المطلوبية، والطبيعة المقيدة بقيد خاص ذات مفسدة توجب المبغوضيّة.
والحاصل: إنه كلّما تعلّق النهي بأمر آخر يتّحد مع الطبيعة المأمور بها، فالصحة والفساد يبتنيان على كفاية تعدد الجهة في تعدّد الأمر والنهي ولوازمها من القرب والبعد والإطاعة والعصيان والمثوبة والعقوبة، وحيث اخترنا كفاية تعدّد الجهة في ذلك، فالحق في المقام الصحة. هذا كلامه في المتن(1).
وقد علّق في الحاشية على ما ذكره في حاصل المقام بقوله:
فيه: إن الجهتين المتغايرتين مفهوماً المتّحدين وجوداً في باب الاجتماع كان اتحادهما مصحّحاً للحمل، فلهذا وقع اجتماع الأمر والنهي في مورد تصادقهما محلاًّ للنزاع المتقدم. وأمّا إذا كان أحد المفهومين منطبقاً على ذات الفعل والآخر كان من قبيل الخصوصيّة، فمن الواضح عدم صحة حمل أحدهما على الآخر، وإنْ كان الحدّ الواحد من الوجود محيطاً بكليهما، فالقائل بالامتناع في الفرض الأول لا يلزم أن يقول به في الثاني لعدم الاتحاد الحملي. نعم، حيث أن المتخصّص والخصوصيّة متلازمان في الوجود لا يمكن اختلافهما في الحكم، بأنْ يتعلق الأمر بالذات مثلاً والنهي بالخصوصيّة، بناءً على ما هو المفروض من سراية الأمر من الطبيعة إلى الأفراد، فلابدّ من تقييد الأمر بغير هذا المورد، ولكن هذا لا يوجب فساد العبادة، لقيام الملاك في ذات الفعل، فيكون الفاعل متقرّباً بنفس فعل الصّلاة مثلاً ومسخوطاً عليه لوصف كينونته في الحمام.
فتحصّل مما ذكرنا هنا وما ذكرنا في المتن أنه متى تعلّق النهي بالخصوصيّة، فالحق، صحّة العبادة حتى على القول بالامتناع في المسألة السابقة، ومتى تعلّق بالخاص البطلان حتى على القول بالجواز هناك.
وتوضيح إشكاله على المتن هو: وجود الفرق بين محلّ الكلام ومسألة اجتماع الأمر والنهي، لأنَّ متعلَّقي الأمر والنهي هناك ـ وهما الصّلاة والغصب ـ متّحدان في الوجود، وإن كانا متغايرين مفهوماً، ولذا يحمل أحدهما على الآخر فيقال: هذه الصّلاة تصرّف في مال الغير، بخلاف مسألتنا هذه، فإنّه لا اتحاد بينهما من جهة الحمل، فهما متغايران مفهوماً، إذ الصّلاة غير الكينونة في الحمام ولا يصح حمل أحدهما على الآخر… فهذا الفرق موجودٌ، لكنّ المبني ـ وهو صحّة الصلاة في كلتا المسألتين ـ واحد، أمّا هناك فلكفاية تعدد الجهة، وأمّا هنا، فلأن المفروض تعلّق النهي بالخصوصيّة وهو الكينونة في الحمام، وهو لا يتعدّى إلى المتخصّص أي الصّلاة، فيكون الملاك في الصّلاة محفوظاً والأمر به باقياً، فهو على محبوبيّته وإن كانت الخصوصية مبغوضةً، فلا وجه لبطلانها.
الجواب
إنه لا يخفى الإضطراب في كلام هذا المحقق، فهو يقول بأنّ المتخصّص والخصوصيّة لهما حدّ واحدٌ من الوجود، وبعد فاصل قليل يقول: نعم حيث أن المتخصّص والخصوصية متلازمان في الوجود. فإنّ هذا يستلزم تعدّد وجودهما، لأن النسبة اللزوميّة بين شيئين لا يتحقق إلاّ بوجودهما، ولا يعقل اتحادهما في الوجود لكون النسبة بينهما نسبة العلّة إلى المعلول….
ومع غضّ النظر عن ذلك نقول: إنّ البحث في المسألة هو عن تعلّق النهي بالعبادة، لا تعلّقه بلازمها، فجعل خصوصيّة الكينونة في الحمام من لوازم الصّلاة خلف لفرض البحث، وإن كانت موجودةً مع الصّلاة، فمن المستحيل أن يكون الوجود الواحد محبوباً ومبغوضاً آن واحد، بأنْ يكون ذا مصلحة فعليّة ومفسدة فعليّة معاً.
وممّا ذكرنا ظهر ما في كلامه أخيراً من أن الصّلاة محبوبة ولكنّ كينونتها في الحمّام مبغوض. ففيه: إن طبيعة الصّلاة ليست غير الكينونة في الحمام، لكونها كذلك حصّة من الصّلاة، فهما موجودان بوجود واحد، ووجودها كذلك عين وجود الطبيعة، وحينئذ، لا يعقل مع تعلّق النهي بوجود الصّلاة في الحمام أنّ تكون الصّلاة هذه صالحةً للتقرّب. والطبيعة بما هي لا تصلح للمقربيّة، لعدم ترتب الأثر على الطبيعة ما لم يتحقق خارجاً في حصّة من حصصها.
(1) درر الفوائد (1 ـ 2) 187.