طريق المحقق العراقي
وسلك المحقق العراقي مسلكاً آخر لإثبات المفهوم فقال ما ملخّصه(1):
إن في القضية الحمليّة مثل أكرم زيداً، لا يكون الكلام دالاًّ على أزيد من ترتّب الحكم بنحو القضية المهملة، وإلاّ لجاء المتكلّم بقرينة على ذلك، ولذا لا تكون لهذه القضية دلالة على انتفاء سنخ الحكم عن غير زيد، فلا يعارضها إيجاب إكرام عمرو مثلاً… لكنّ هذا الحكم المهمل مترتّب على زيد المطلق، لأنه لمّا قال أكرم زيداً لم يقيّد الموضوع بقيد، فكان يجب إكرامه قاعداً أو قائماً أو جائياً، وعلى هذا، يكون الحكم ـ وهو وجوب الإكرام ـ مطلقاً من جهة حالات الموضوع، لأنْ ذلك مقتضى إطلاق الموضوع، ويشهد بالإطلاق في طرف الموضوع أنه لو قال بعد ذلك أكرم زيداً قائماً، لزم اجتماع المثلين، فكان الحكم مهملاً من جهة كون القضية حمليّةً، ومطلقاً من جهة الإطلاق في الموضوع كما ذكر.
إلاّ أنه لما وردت أداة الشرط على الجملة فقيل: إن جاءك زيد فأكرمه، يرتفع الإطلاق في الموضوع الشّامل لجميع حالاته، ويناط ذاك المحمول المهمل في القضية الحمليّة مثل زيد يجب إكرامه أو الإنشائية مثل أكرم زيداً ـ وهو وجوب شخص الإكرام ـ بحالة واحدة من حالاته وهو خصوص المجيء، فلا جرم بعد ظهور الشرط في دخل الخصوصيّة يلزمه قهراً انتفاء وجوب الإكرام عن زيد عند انتفاء المجيء.
(قال): ولا يخفى عليك أنه على هذا البيان، لا يحتاج إلى إثبات المفهوم في القضايا الشرطيّة إلى إتعاب النفس لإثبات العليّة المنحصرة كي يقع البحث عن ذلك ويناقش فيه.
(1) نهاية الأفكار (1 ـ 2) 479 ـ 480.