طريق الشيخ الأُستاذ
وشيخنا الأُستاذ ـ وإنْ قرّب في الدورة السابقة الإطلاق في مقابل «أو» ـ ذكر طريقاً آخر في الدورة اللاّحقة، وحاصله ـ بعد اليأس عن اللّغة ـ هو الرجوع إلى الإرتكاز العقلائي، فإن أهل العرف يفرّقون بين الوصف والشرط، وأن الشرط يفيد الانحصار إلاّ مع قيام القرينة على العدم. والشاهد على ذلك: أنه في حال تعدّد الشرط ووحدة الجزاء يرى العرف التنافي والتعارض ويحتاج العلماء إلى بيان الجمع ـ كما سيأتي ـ، أمّا مع تعدّد الوصف فلا يرى أحدٌ التعارض أصلاً… فهذا يفيد أن في أداة الشرط خصوصيةً ـ وإن لم نتوصّل إليها ـ تفترق بها عن الوصف… وهذا المقدار من الافتراق والتفاوت كاف لإثبات المفهوم للقضية الشرطيّة.
ويؤكّد ذلك ما جاء بتفسير قوله تعالى حكايةً لقول ابراهيم (بَلْ فَعَلَهُ كَبيرُهُمْ)(1)، فقد ذكر المفسّرون ثمانية وجوه منها أن كلمة (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) جملة معترضة، فيكون معنى الآية تعليق إبراهيم عليه السلام فعل كبيرهم على نطقهم، فتخرج الآية عن الظهور الأوّلي في الكذب بدلالة (إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) على المفهوم، ولو لم يكن للجملة مفهوم لبقي شبهة الكذب.
هذا، وفي معاني الأخبار(2) رواية عن الإمام عليه السلام فيها بيان معنى الآية على الوجه المذكور، ممّا يدل على تمسّكه بمفهوم الشرط، لكن سندها غير تام.
لكن في رواية معتبرة عن أبي بصير ـ يعني المرادي ـ قال: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الشاة تذبح فلا تتحرك، ويهراق منها دم كثير عبيط، فقال: لا تأكل، إنّ علياً كان يقول: إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل»(3).
فهذه الرّواية دلّت على أن الإمام عليه السلام استفاد المفهوم من كلام جدّه أمير المؤمنين … ـ والألفاظ المستعملة في كلمات الأئمة بلا عناية ظاهرة في معانيها ـ فكانت حجة لإثبات مفهوم الشرط.
وأيضاً: الرواية عن أبي أيوب واستدلال الإمام عليه السلام بالآية (فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)(4)(5) تفيد ثبوت المفهوم، إذ لو لم تكن جملة (فَمَنْ تَعَجَّلَ) دالّة على المفهوم ـ أي الإثم على من تعجّل ـ لما كان حاجة إلى الجملة الثانية (وَمَنْ تَأَخَّرَ…).
وكذلك الاستدلال بالروايات الاخرى، مثل «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»(6) و«إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل…»(7).
فالحق: ثبوت المفهوم… ويقع الكلام في:
(1) سورة الأنبياء: الآية 63.
(2) معاني الأخبار: 210.
(3) وسائل الشيعة 24 / 24، كتاب الصيد والذباحة، الباب 12، الرقم: 1.
(4) سورة البقرة: الآية 203.
(5) وسائل الشيعة 14 / 275، كتاب الحج، أبواب العود إلى منى، الباب 9، الرقم: 4.
(6) وسائل الشيعة 1 / 158، الباب 9 من أبواب الماء المطلق، الرقم: 1 و 2.
(7) وسائل الشيعة 2 / 184، الباب 6 من أبواب الجنابة، الرقم: 5.