طريق الأُستاذ
قال الأُستاذ: والذي ينبغي أنْ يقال وإنْ كان خلاف المشهور هو:
إنّ الروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام على ثلاثة أقسام:
الأول: ما ورد عنهم عليهم السلام في مقام تعليم الأحكام لأصحابهم، خاصّةً الذين أرجعوا الناس إليهم منهم كمحمد بن مسلم وزرارة وأبي بصير…
وفي هذا القسم، نقول بحمل المطلق على المقيَّد، فإن المطالب تلقى على التلامذة بالتدريج، فيذكر الحكم بإطلاقه في مجلس، ثمّ يبيّن في المجالس اللاّحقة بمقيّداته، وهكذا جرت العادة في مجالس الدروس.
والثاني: ما ورد عنهم في مقام الإفتاء، حيث يدخل الرجل على الإمام عليه السلام فيسأله عن الحكم الشرعي في قضيّة ثم يخرج ويتوجّه إلى أهله وبلده ولا يرجع إلى الامام إلاّ في قضية اخرى، فهو يستفتي من أجل العمل، أو يكون قد أرسلوه إلى الإمام حتى يأتيهم بالجواب منه، فيعملوا على طبق ما أجاب.
وفي هذا القسم من الروايات، لا نقول بحمل المطلق على المقيَّد، بل لو قال بعد ذلك كلاماً على خلافه لكان ناسخاً له، لأن من كان في مقام الإفتاء يبيّن الحكم بكامله ولا مصلحة لتأخير البيان… فكونه عليه السلام في مقام الافتاء وبيان الحكم للمسألة المبتلى بها والمسئول عنها من أجل العمل، قرينةٌ تجعل المطلق نصّاً أو تعطيه الأظهريّة من المقيَّد، فلا يتقدَّم المقيد على المطلق.
وهذا الذي ذكرناه في القسم الثاني من الروايات وإن كان على خلاف المشهور، لكن غير واحد من الأكابر مشوا عليه، فلاحظ كتاب الصّلاة للشيخ الحائري في صلاة العاري وأنه هل يصلّي قائماً أو قاعداً أو عليه القيام مع الأمن من الناظر والقعود مع عدم الأمن…(1).
وكذا في مكان المصلّي في مسألة محاذاة المرأة للرجل(2).
وكذا في مسألة التخيير في الأماكن الأربعة(3).
وقال المحقق العراقي في (شرح التبصرة) في صلاة الآيات في مسألة القنوت فيها هل هو واجبٌ أو مستحب بحمل المقيّد على الاستحباب.
وكذا في بحث التشهّد، حيث أخذ بالمطلقات لقوّتها وحمل الزائد على الاستحباب.
وكذا في (كتاب الطهارة)، في أنّه يجب الوضوء بعد الغسل أوْ لا؟ وفي التيمّم بمطلق وجه الأرض أو خصوص التراب؟ فإنه أخذ بالمطلقات وحمل ما دلّ على خصوص التراب على الاستحباب، وفي الوضوء في كيفية مسح الرأس، في أنه يكفي مقدّم الرأس أو يشترط الناصية؟
والحاصل: إن الشيخ الحائري والشيخ العراقي في هذه الموارد وغيرها يصرّحان بكون المطلقات في مقام بيان الوظيفة الفعليّة، فلا يجوز رفع اليد عن ظهورها، ولذا يحملان ما ينافيها على الإستحباب.
وعلى الجملة، فكلّ مطلق من هذا القبيل يؤخذ به، إلاّ إذا علم بوجود خصوصية دعت الإمام إلى تأخير بيان المقيَّد… وإلاّ فمقتضى المقام أن يعطي كلّ ما يحتاج إليه المكلَّف ممّا له دخل في الحكم، كحال الطبيب في مقام علاج المريض الذي راجعه ويطلب منه الدواء لمرضه.
الثالث: ما ورد عنهم ولم يحرز كونه في مقام التعليم أو في مقام الإفتاء للعمل.
وقد يقال هنا: بأنّ التقييد تكليف زائد فهو مجرى البراءة، إذنْ يؤخذ بالمطلق.
لكنّ الصحيح ـ عند الأُستاذ ـ هو الحمل، لأنَّ أركان الحجية في المقيَّد تامّة ولا مرخّص من قبل المولى، فالعقل حاكم بلزوم الامتثال، وبه ترفع اليد عن الإطلاق.
وهذا تمام الكلام في صورة وحدة الحكم ووحدة السبب.
(1) كتاب الصّلاة: 68.
(2) المصدر: 85.
(3) المصدر: 650.