طريق الأُستاذ
والأُستاذ بعد أنْ ذكر طرق الأكابر لحمل المطلق على المقيَّد، أفاد في الدورتين ما حاصله:
إنّه إذا كان الحكم واحداً كما في: إن ظاهرت فأعتق رقبةً، وإنّ ظاهرت فأعتق رقبةً مؤمنة، فإنّ منشأ الإشكال هو وجود التنافي بين الخطابين، من حيث أن الثاني يقتضي تعيّن المؤمنة فلا تجزي الكافرة بخلاف الأول، فهل يوجد التمانع بين إطلاق المتعلّق في الثاني وظهور صيغة الأمر في وجوب الحصّة المؤمنة أوْ لا؟
إنّ التنافي بين كلّ دليلين يتوقف على وجود المقتضي لهما على نحو التنجز وفي عرض واحد، حتى يقع التمانع بينهما في المبدء أو المنتهى أو المدلول لهما. أمّا لو كان أحدهما معلَّقاً غير منجّز والآخر تامُّ الإقتضاء، فلا تمانع بل يتقدَّم ما هو تامّ الإقتضاء… وفيما نحن فيه: ظهور صيغة الأمر في الوجوب ـ من باب الدلالة الوضعية كما عليه صاحب (الكفاية)، أو بحكم العقل كما عليه الميرزا ـ تامٌّ، فيصلح لأنْ يكون مانعاً عن انعقاد الظهور في طرف المطلق، لكنَّ المبنى المحقَّق ـ تبعاً لسلطان المحققين ـ خروج الإطلاق عن المعنى الموضوع له لفظ الرّقبة، فلا دلالة له عليه إلاّ بمقدّمات الحكمة، وقد كان منها عدم التقييد، فكان ظهور «الرقبة» في الإطلاق معلَّقاً على عدم المانع، فلا تمانع بينه وبين الدليل المقيَّد… بل يتقدَّم لتتنجّز ظهوره وتماميّته.
وعلى الجملة، فإنّ المقام من صغريات دوران الأمر بين ما له الاقتضاء وما لا اقتضاء له، ومن الواضح تقدّم الأول وتعيّنه.
ولا يخفى أنّ هذا الطريق يختلف عن طريق (الكفاية) من تقدّم إطلاق الوجوب التعييني، لأنّ أصالة الإطلاق بالنسبة إلى الوجوب التعييني إنّما تجري فيما لو احتمل التخيير الشرعي، فيتمسّك بها لدفع هذا الاحتمال، وليس ما نحن فيه من هذا القبيل، للقطع بعدم احتمال التخيير الشرعي بين وجوب الطبيعة المطلقة ووجوب حصّة خاصّة منها.
وتلخص: إنّ الوجه في تقدّم المقيَّد على المطلق ليس الأظهريّة ولا القرينيّة ولا غيرهما، بل هو التنجيزيّة في طرف المقيَّد، أي ظهور صيغة الأمر في الوجوب بلا تعليق على شيء، وقد ذكرنا أنّ ذلك ثابت إمّا بالوضع من جهة التبادر على رأي وإمّا بحكم العقل على الرأي الآخر. بل إنّه مستفادٌ من ظواهر النصوص أيضاً، كما في المعتبرة: «العمرة واجبة كالحج لأنَّ اللّه تعالى يقول (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ)(1)»(2) حيث احتجّ الامام عليه السلام بظهور صيغة «إفعل». وكذلك ما ورد في الاستدلال بقوله تعالى (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ مُصَلىًّ)(3) على وجوب صلاة الطواف خلف المقام(4). وما ورد من تمسّكهم بظاهر الأمر في (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)(5) على أنّ إذن المولى شرط في نكاح الأمة(6).
وهذا تمام الكلام في الدليل المقيّد المتّصل.
(1) سورة البقرة: الآية 196.
(2) وسائل الشيعة 14 / 295، الباب 1 من أبواب العمرة، رقم: 2.
(3) سورة البقرة: الآية 125.
(4) وسائل الشيعة 13 / 425، الباب 72 من أبواب الطواف، رقم: 1 و 2.
(5) سورة النساء: الآية 25.
(6) وسائل الشيعة 21 / 119، الباب 29 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الرقم: 1.