ردّ الميرزا على الكفاية
قال: إنّ المقام يندرج في كبرى قاعدة وجوب ردّ المال إلى مالكه، ولا ربط له بقاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار من جهة العقاب أو الخطاب أو العقاب فقط (قال) نعم، بناءً على دخول المقام في ذيل كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار، فالحق ما اختاره صاحب (الكفاية). فلنا دعويان….
(ثم قال) بعد إبطال سائر الأقوال في الدعوى الاولى: «أما الدعوى الثانية ـ أعني بها دعوى عدم دخول المقام في كبرى قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار، فيدلّ عليها امور». فذكر أربعة امور هذا ملخّصها:
الأول: إن ما يكون داخلاً في موضوع كبرى تلك القاعدة، لابدّ من أن يكون قد عرضه الامتناع، وأن يكون ذلك مستنداً إلى اختيار المكلّف، كأنْ يترك السير إلى الحج، والخروج من الدار المغصوبة ليس كذلك، بل هو مقدور له بعد دخوله فيها.
والثاني: إن محلّ الكلام في تلك القاعدة إنما هو ما إذا كان ملاك الحكم مطلقاً، سواء وجدت مقدّمته الإعدادية أم لم توجد، وكان الحكم بنفسه مشروطاً بمجيء زمان متعلَّقه، كخطاب الحج، فإنّه واجب متوقف على طيّ الطريق، فإن ترك امتنع الحج وكان امتناعه بالاختيار، لكنّ ملاك هذا الحكم قبل السفر تام، فعلى القول بإمكان الواجب المعلَّق، يكون الوجوب فعليّاً قبل أشهر الحج والواجب استقبالي وموضوعه الاستطاعة، وعلى القول بامتناعه ـ وعليه الميرزا ـ يكون الملاك تامّاً بتحقق الاستطاعة، فمن ترك المسير إلى الحج بعدها يستحق العقاب على تركه وإنْ امتنع عليه الفعل في وقته، لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار (قال): وهذا بخلاف المقام، فإن التصرف بالدخول من المقدّمات التي لها دخل في تحقق القدرة على الخروج وتحقق ملاك الحكم فيه، فإن الداخل هو الذي يمكن توجيه الخطاب إليه بفعل الخروج أو بتركه دون غيره، وإذا كان كذلك امتنع كون الخروج داخلاً في موضوع تلك القاعدة.
الثالث: إنه على مختار صاحب (الكفاية) من أن الخروج من الدار المغصوبة هو بحكم العقل، من باب الأخذ بأخف المحذورين، يكون هذا الحكم العقلي كاشفاً عن إمكان الخروج، فكيف يمكن أن يكون الخروج من صغريات تلك القاعدة؟
الرابع: إن ما نحن فيه ومورد القاعدة متعاكسان، لأن موردها ما إذا تحقّقت المقدّمة ثبت الخطاب وكان فعليّاً، كما في الحج، فإنه إذا سافر وأدرك يوم عرفة صار الحكم بوجوب الحج فعليّاً، فلو ترك انطبقت القاعدة، بخلاف ما نحن فيه، فإنّه إذ وجدت المقدّمة ـ وأعني بها الدخول ـ يسقط الخطاب بترك الخروج، أي النهي السابق عن التصرّف الخروجي بعد الدخول.
(قال) فتبيّن من هذه الأدلّة بطلان دخول المقام تحت قاعدة: الإمتناع بالإختيار لا ينافي الإختيار، فلا مناص عن الإلتزام بكونه داخلاً تحت قاعدة وجوب ردّ مال الغير إلى مالكه، والخروج بما أنه محقّق لذلك يكون واجباً(1).
(1) أجود التقريرات 2 / 187 ـ 193.