رأي صاحب الكفاية
واختار المحقق الخراساني القول بعدم التداخل، ومحصّل كلامه هو:
إنّ القضيّة الشرطية ظاهرة في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط وترتّبه عليه، فهي تقتضي الارتباط بين الشرط والجزاء، لا أنها تفيد فقط ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط… وعلى هذا، فإن تكرّر الشرط ظاهر في تكرّر الجزاء، فيحدث وجوبان للوضوء عند حدوث النوم والبول، لكنّ اجتماع المثلين محال ـ أمّا على مسلكه، فاجتماع نفس الحكمين محال. وأمّا على مسلك المحقق الإصفهاني فإنه ينتهي إلى المحال ـ وإذا لزم المحال، فلابدّ من القول بالتداخل، وهو يتوقف على ارتكاب أحد امور ثلاثة.
إمّا رفع اليد عن ظهور كلّ قضيّة شرطية في الحدوث عند الحدوث، بأنْ يقال بأن الأولى كذلك، أمّا الثانية فهي تدلّ على الثبوت عند الثبوت.
وإمّا التصرّف في المتعلَّق، بأنْ يقال إنه وإن كان ظاهر: «إن بلت فتوضأ» و«إنْ نمت فتوضّأ» هو ورود الوجوبين على الوضوء، لكنّهما واردان على أمرين منطبقين على الوضوء، كانطباق عنوان العالم والهاشمي على زيد الواجب إكرامه في «أكرم الهاشمي» و«أكرم العالم».
لا يقال: في هذه الحالة يلزم اجتماع المثلين كذلك، لأن المفروض هو الإبقاء على ظهور القضية في الحدوث عند الحدوث، فيحصل الوجوبان للوضوء.
لأنا نقول: إنطباق العنوان على الوضوء يوجب اتصافه بالوجوب لكونه منطبقاً للعنوانين، لا أنه يحدث له وجوبان، كما هو الحال في زيد الذي انطبق عليه العنوانان، فإنه يجب إكرامه، ولا يجتمع فيه وجوبان.
وإمّا حمل الدليل الثاني على التأكيد، فلا يفيد حكماً آخر وإنّما يفيد التأكيد على الحكم في الدليل الأول.
لكنّ ارتكاب شيء من هذه الامور ممنوع، لكونها خلاف الظّاهر.
على أنّ الذهاب إلى الوجهين الثاني والثالث لا دليل عليه، فما المثبت لأنَّ الوضوء منطبَق لعنوانين، وأنه ليس نفسه المتعلَّق للحكم في القضيتين؟ وما الدليل على أنّ الخطاب الثاني جاء للتأكيد على مدلول الخطاب الأوّل؟
فإنْ قيل: لزوم المحال ـ وهو اجتماع المثلين ـ برهان على ضرورة رفع اليد عن الظهور.
قلنا: هذا لو لم يكن طريق آخر، وهو القول بإفادة كلّ شرط فرداً من الوجوب للوضوء غير الفرد الآخر.
فإنْ قيل: الإحتفاظ بالظهورات والقول بحدوث الفرد الآخر يستلزم المخالفة لظهور آخر، وهو أنّ كلّ قضيّة شرطية فلها ظهور إطلاقي في صِرف الوجود، فحمل الشرط الثاني على الفرد غير الأول مخالفٌ لإطلاق «توضّأ»… وصرف الوجود هو ناقض العدم الكلّي في اصطلاح المشهور، وينطبق على أوّل وجود، فكان هو المتعلّق، وأوّل وجود لا تعدّد فيه.
فالجواب: إن ظهور إطلاق متعلّق الوجوب في صِرف الوجود يقتضي وحدة وجود الوضوء، إلاّ أنّه ظهور إطلاقي، هو موقوف على عدم القرينة وما يصلح للقرينية، وحينئذ، فإنّ ظهور كلّ قضية شرطية في الحدوث عند الحدوث والظهور في التأسيس دون التأكيد قرينة على سقوط الإطلاق وحمل الأمر بالوضوء على وجود آخر منه… فيسقط الإطلاق المقامي، ويتمُّ القول بعدم التداخل.
Menu