رأي المحقق العراقي
وملخص كلامه كما في (تقرير بحثه)(1) هو: إنه لو كان هناك أصل حكمي من استصحاب وجوب أو حرمة ونحوه فلا إشكال. وأمّا الأصل الموضوعي فيبتني جريانه على ما تقدَّم من المسلكين في التخصيصات، من أن قضيّة التخصيص هل هي كالتقييد في اقتضائه لإحداث عنوان إيجابي أو سلبي في الأفراد الباقية بعد التخصيص الموجب لتقييد موضوع الحكم في نحو قوله: أكرم كلّ عالم، بالعالم العادل أو العالم غير الفاسق أم لا، بل إنّ قضيّته مجرّد إخراج بعض الأفراد من تحت حكم العام الموجب لقصر الحكم ببقيّة الأفراد.
فعلى المسلك الأول: لا بأس بجريان الأصل الموضوعي، فيحكم عليه بحكمه بعد إحراز العالمية بالوجدان، ويكون الموضوع هو العالم العادل أو العالم الذي لم يكن فاسقاً.
وأما على المسلك الثاني ـ وهو المختار عنده ـ فلا مجال لجريان الأصل الموضوعي المزبور، من جهة عدم ترتب أثر شرعي عليه حينئذ، لأنه لا يكون لمثل هذه العناوين دخل في موضوع الحكم والأثر ـ ولو على نحو القيديّة ـ حتى يجري فيها استصحابها إلا على القول بالأصل المثبت، لأن الأثر إنما هو للأفراد الباقية تحت العام، نعم هم يلازمون عدم الفسق، لكنّ استصحاب عدم الفسق لا أثر له لإثبات الملازم.
فهذا كلامه، ولذا ينقل عنه أن التخصيص كالموت، فكما لا يتلوّن العام بلون بموت عدّة من العلماء، كذلك لو خصص… ومن هنا نراه يتمسّك بالإطلاق في الشبهة الموضوعية للمقيّد له، كما لو قال أعتق رقبةً ثمّ أخرج الكافرة بدليل منفصل وشك في فرد منها، فإنه يقول بالأصل الموضوعي من جهة أنّ التقييد يعطي لوناً للمطلق، لأنه يقيّده، بخلاف التخصيص فليس إلاّ إخراجاً لبعض الأفراد.
(ثم قال): نعم لو كان مفاد الدليل الخاص نقيضاً لحكم العام، كما لو كان مفاد العام وجوب إكرام العلماء، وكان مفاد الخاص عدم وجوب إكرام الفساق منهم، ففي مثله أمكن إثبات وجوب الإكرام ـ الذي هو حكم العام ـ بمقتضى استصحاب عدم الفسق، من جهة أنه باستصحابه يترتب عليه نقيض اللاّوجوب الذي هو عبارة عن وجوب الإكرام، وهذا بخلاف ما لو كان مفاد الخاصّ عبارة عن حرمة الإكرام التي هي ضدّ لحكم العام، حيث أنه لا يمكن إثبات وجوب الإكرام باستصحاب العدالة أو عدم الفسق إلاّ على نحو الأصل المثبت.
ويتلخّص كلامه في نقاط:
1 ـ الفرق بين التخصيص والتقييد، وأنَّ الثاني يعطي لوناً وعنواناً، دون الأول فإنه يفيد الإخراج فقط.
2 ـ التفصيل بين ما إذا كان التنافي بين موضوعي المخصّص والعام على نحو التناقض أو التضاد، ففي الأول يتمسّك بالعام في الفرد المردد، دون الثاني.
3 ـ كلّما كان بيانه وظيفة المولى ففي مورد الشك يتمسّك بالعام، وما كان الوصول إليه من وظيفة المكلّف فلا… ففي مثل: «المؤمنون عند شروطهم»(2) الذي خصّص بالشرط المخالف للكتاب والسنّة، لو شك في شرط أنّه مخالف أو لا، فوظيفة بيان ذلك على المولى، ومع الشك يتمسّك بالعام… وكذا الجلد المشكوك في تذكيته يصلّى فيه أولا، فإنّه لو كان منشأ الشك هو قابلية هذا الحيوان للتذكية وعدم قابليّته له، فإنّه يتمسّك بالعام، لكون بيان القابلية وعدمها من وظيفة الشارع، بخلاف ما لو كان منشأ الشك هو الشكٌّ في كون الذابح مسلماً أو الذبح على القبلة، فلا وظيفة للمولى بل على المكلّف، فلا يجوز التمسّك بالعام حينئذ.
(1) نهاية الأفكار (1 ـ 2) 527.
(2) وسائل الشيعة 21 / 276 ، الباب 20 من أبواب المهور ، رقم : 4.