رأي السيد الخوئي
وذهب السيد الخوئي إلى الجمع بـ«أو»، فقال(1) بعد ذكر مختار الميرزا ما ملخّصه:
ولنأخذ بالمناقشة على ما أفاده صغراً وكبراً.
أما بحسب الصغرى، فلأنّ مورد الكلام ليس من صغريات ما أفاده من كبرى الرجوع إلى الأصل العملي، بل هو من صغريات الرجوع إلى الأصل اللّفظي، وتوضيح ذلك:
إن وجوب القصر على المسافر ثابت بالإطلاقات الواردة بالكتاب والسنّة، والمقصود هو السفر العرفي، وهو يصدق عند العرف على من خرج من بلده بقصد السفر، غير أن الشارع قيّد ذلك بالوصول إلى حدّ الترخّص بالأدلّة، فما لم يصل المكلّف إلى الحدّ المذكور فلا تقصير، فلو خفيت إحدى الأمارتين ـ من الأذان والجدران ـ وشكّ في وجوب القصر عليه، كان المرجع الإطلاقات ـ لا الأصل العملي من البراءة عن القصر أو استصحاب بقاء التمام ـ ومقتضى الإطلاق وجوب القصر… لأن القدر الثابت من تقييدها هو ما إذا لم يخف الأذان والجدران، أما مع خفاء أحدهما فلا نعلم بتقييدها، ومعه لا مناص من الرجوع إليها لإثبات وجوب القصر، لفرض عدم الدليل على التقييد بعد سقوط كلا الإطلاقين بالمعارضة، فتكون النتيجة هي نتيجة العطف بـ«أو»… فالكبرى التي ذكرها الميرزا غير منطبقة على المقام.
(قال): وأما بحسب الكبرى، فالصحيح أن القاعدة تقتضي تقييد الإطلاق المقابل للعطف بـ«أو» دون «الواو» كما اختاره شيخنا الأُستاذ، والسّبب في ذلك هو: إنه لا منافاة بين منطوقي القضيتين الشرطيتين المتقدّمتين، ضرورة أن وجوب القصر عند خفاء الأذان لا ينافي وجوبه عند خفاء الجدران أيضاً، لفرض أن ثبوت حكم لشيء لا يدلّ على نفيه عن غيره، وكذا لا منافاة بين مفهوميهما، لوضوح أنّ عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان لا ينافي عدم وجوبه عند عدم خفاء الجدران، إذ عدم ثبوت حكم عند عدم شيء لا يقتضي ثبوته عند عدم شيء آخر، ليكون بينهما تنافي.
بل المنافاة إنما هي بين إطلاق مفهوم احداهما ومنطوق الاخرى، مع قطع النظر عن دلالتها على المفهوم. وما تقدّم من شيخنا الأُستاذ ـ وهو رفع اليد عن كلا الإطلاقين معاً والرجوع إلى الأصل العملي ـ وإنْ أمكن رفع المعارضة به، إلاّ أن الأخذ به بلا موجب بعد إمكان الجمع العرفي بين الدليلين….
(قال) ما حاصله: إنه يمكن الجمع بين الدليلين على أنحاء، كأن يحمل أحدهما على الاستحباب أو على التقيّة أو ما شاكل ذلك، لكنّ المطلوب ليس هو الجمع كيفما اتفق بل الذي يساعد عليه العرف… والجمع العرفي في محلّ الكلام ممكن ـ فلا موجب للرجوع إلى الأصل العملي ـ وهو تخصيص مفهوم كلّ من القضيّتين بمنطوق الاخرى، ونتيجة ذلك هو التقييد والجمع بـ«أو»، فإنّه الجمع الدلالي المطابق للإرتكاز العرفي في المقام وأمثاله.
(1) محاضرات في اصول الفقه 4 / 246.