رأي الأُستاذ
وفصّل الأُستاذ في هذه الجهة، فقال: بأنّ من الألفاظ ما هو مبيَّن، فهو ظاهر أو نصّ في معناه، ومنها ما هو مجمل بأصل الوضع كالألفاظ المشتركة، وقد يكون لفظٌ مبيّناً بالإضافة إلى شخص ومجملاً بالإضافة إلى غيره، كلفظ «الكر» حيث أنه ليس بمجمل عند ابن أبي عمير الذي سأل الإمام عنه وأجاب بأنه ألف ومأتان رطل، لكنه بالنسبة إلينا مجمل.
ثم إنّ الإجمال ـ كما تقدّم ـ إما حقيقي وإمّا حكمي، فإنْ كان حقيقياً فلا كاشفية له عن المراد الاستعمالي، ولا حجيّة له بالنسبة إلى المراد الجدّي، وإن كان حكميّاً، سقطت كاشفيته عن المراد الجدّي وإنْ كان ظاهراً في المراد الإستعمالي.
وقد يكون لفظ مجملاً من جهة ومبيَّناً من جهة اخرى، فكلّما كان مبيّناً فإنه يؤخذ به، وكلّما كان مجملاً فلا كاشفية له عن المعنى. ومثال ذلك هو: إنه قد سأل ابن أبي عمير عن الكرّ فأجاب الامام بأنه ألف ومأتا رطل(1).
ومرسلات ابن أبي عمير معتبرة.
وسأل محمّد بن مسلم ـ في خبر صحيح ـ فأجاب الإمام عليه السلام بأنه ستمائة رطل(2).
فوقع التعارض بين الخبرين.
لكنّ «الرطل» مجمل، فمنه العراقي ومنه المدني والمكي، والأكثر وزناً هو المكي والأقل هو العراقي، لكنّ المرسلة تنفي أنْ يكون الكرّ أقل من الألف والمأتين رطلاً عراقياً، فهي نصٌّ في ذلك، والصحيحة تفيد أنه ليس بأكثر من الستمائة رطلاً مكّياً، فارتفع بنصوصيّة كلٍّ منهما الإجمال الموجود في الآخر، وبذلك ارتفع التعارض بين الخبرين، وكانت النتيجة في حدّ الكرّ أنه الألف والمائتين رطل عراقي.
وتلك قاعدة جارية في الفقه في نظائر هذا الموارد.
وهذا آخر الكلام في المجمل والمبين.
وتمّ الجزء الرابع وبه ينتهي البحث عن مباحث الألفاظ ويليه الجزء الخامس وأوّله: المقصد السابع في القطع.
والحمد للّه ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على خير خلقه محمّد وآله الطّاهرين.
(1) وسائل الشيعة 1 / 167، الباب 11 من أبواب الماء المطلق، رقم: 1.
(2) وسائل الشيعة 1 / 168، الباب 11 من أبواب الماء المطلق، رقم 3.