دليل الميرزا
ويقول الميرزا رحمه اللّه(1): بأنّ تقييد متعلَّق الأمر ـ كالصّلاة ـ بالقيد العدمي يكون على ثلاثة أنحاء:
الأول: التقييد الحاصل ممّا يكون إرشاداً إلى المانعية، كتقييدها بعدم كونها فيما لا يؤكل لحمه، فإن معنى ذلك أن ما لا يؤكل لحمه مانع عن صحّة الصّلاة، فصحّتها مشروطة بعدمه… وهذا التقييد واقعي، فلو صلّى فيما لا يؤكل لحمه عن جهل أو اضطرار أو نسيان بطلت، إلاّ إذا قام دليل آخر على الصحّة… إذن، حديث الرفع لا يرفع الحكم الوضعي في حال الاضطرار… إلاّ إذا قام دليل آخر.
الثاني: التقييد الحاصل من التزاحم بين المأمور به والمنهي عنه مع كون النهي أهم، كأنْ تتقيّد الصّلاة بعدم المنهي عنه، فلو أتى بها مع المنهيّ عنه عامداً مختاراً بطلت إلاّ على القول بالترتّب أو الإتيان بها بقصد الملاك بناءً على إنكاره… أمّا لو اضطرّ إلى الإتيان بها بالمنهي عنه، فإن النهي يسقط وتصحّ الصلاة.
الثالث: التقييد الحاصل من النهي النفسي، كالأمر بالصّلاة وتقييدها بعدم كونها في المغصوب، للنهي النفسي عن الغصب… فإنّ هذا النهي يقيّد الإطلاق البدلي في الأمر بالصّلاة بغير هذه الحصّة.
وما نحن فيه من هذا القسم.
إنما الكلام في أنّه: هل حرمة التصرّف في مال الغير هي العلّة لتقييد الصّلاة بغير المغصوب، أو أنه لا عليّة ومعلولية بينها وبين التقييد؟
إن كان الأوّل، فالحق مع المشهور، لأنّه في حال الاضطرار ترتفع الحرمة والمفروض كونها العلّة للتقييد، فإذا انتفت انتفى المعلول، وبقي الأمر على إطلاقه.
لكنّ الميرزا يرى أنْ لا عليّة، ونتيجة ذلك أن الحرمة إذا ارتفعت على أثر الاضطرار، بقي التقييد على حاله ويكون الأمر بالصلاة مقيَّداً بعدم وقوعها في المغصوب، فلو صلّى فيه لم يأتِ بمصداق المأمور به، فهي باطلة.
ووجه عدم العليّة عنده هو: إنّ منشأ هذا التقييد هو التضادّ بين الوجوب والحرمة، وحينئذ تكون الحرمة ملازمة لعدم الوجوب، وليس بين الضدّين عليّة ومعلوليّة لا وجوداً ولا عدماً، فالطوليّة بين الحرمة والتقييد مستحيلة، وليس ارتفاع الحرمة علةً لارتفاع التقييد.
(1) أجود التقريرات 2 / 182 ـ 184.