دليل القول بثبوت المفهوم
الأقوال في المسألة ثلاثة، فالمشهور عدم المفهوم، وقيل بثبوته، وقيل بالتفصيل بين ما إذا كان الوصف علةً فالمفهوم، وما إذا لم يكن فلا.
واستدلّ للقول بثبوت المفهوم بوجوه ستة:
الوجه الأول:
إنه إن لم يكن للوصف دلالة على المفهوم كان أخذه في الكلام من الحكيم لغواً، ولا لغوية في كلامه. وبهذا استدلّ بعضهم كالبروجردي في مفهوم الشرط.
وفيه: انه موقوف على عدم الفائدة في أخذ الوصف في الكلام، والحال أنه قد يؤخذ للدلالة على مقاصد اخرى كما في قوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاق)(1) ففي أخذه ـ خشية إملاق ـ حكمة دفع توهّم جواز قتل الأولاد في هذه الحالة.
الوجه الثاني
أصالة الإحترازية في القيود، فإنّ مقتضى الأصل في القيود الزائدة على الموضوع المذكورة في الكلام، هو الإحتراز عن فاقد القيد، والأصل أصيلٌ ما لم تقم قرينة على الخلاف.
وقد أجاب السيد الخوئي(2): بأنها قاعدة جارية في موارد التعريفات وفي الحدود والتعزيرات، أمّا في غيرها فلا.
وفيه: إنه أصلٌ عقلائي ولا يختص بمورد دون آخر.
والصحيح أن يقال في الجواب: إن الأصل في القيود هو الإحترازيّة بمعنى أنها ليست توضيحيّةً، ولكنْ هل الإحتراز لنفي الحكم عن الفاقد أو لفائدة اخرى؟ إنه لا مثبت لهذه الجهة، ولابدّ لإفادتها من دليل آخر غير أخذ القيد.
الوجه الثالث
إن تقييد الموضوع بقيد زائد مشعر بالعليّة، وحينئذ، يلزم الإنتفاء عند الإنتفاء.
أشكل عليه الميرزا(3) وتبعه السيد الخوئي:
أولاً: هذه العليّة بحاجة إلى قرينة في مقام الإثبات.
وثانياً: سلّمنا، لكن المفهوم يتوقف على كونها عليّة منحصرة، ولا دليل عليه.
لكنّ المحقق الإصفهاني(4) ذكر لأصل الإشعار بالعليّة: إنّ كلّ شرط أو قيد، فهو إمّا متمّم لفاعليّة الفاعل وإما متمّم لقابلية القابل، أمّا في المقام فهو من قبيل الثاني، فإن وجود القيد أو الشرط يفيد ذلك ولا يحتاج إلى قرينة زائدة، لأن الشرط ليس إلاّ العلّة، إذ العليّة المقصودة هنا أعمّ من المقتضي.
وذكر للدلالة على الانحصار: إن مجرّد أخذ خصوصيّة العنوان بعنوانه يدلّ عليه، فإذا قال: جئني بماء بارد، كان لفظ «البارد» مقيداً لقابليّة الأمر للبعث، فكانت الدلالة على الانحصار، وبه يثبت المفهوم.
(1) سورة الإسراء: الآية 31.
(2) محاضرات في اصول الفقه 4 / 275.
(3) أجود التقريرات 2 / 278.
(4) نهاية الدراية 2 / 436.