دليل القول الأول
هو أنّه لا مقتضي للتعارض في المقام بين أصالة العموم وأصالة عدم الإستخدام، لتماميّة أركان أصالة العموم، فالمقتضي لجريان هذا الأصل موجود، إذ اللّفظ ظاهر في العموم بلا كلام، غير أنّ المشكوك فيه هو أنّ هذا الظهور الإستعمالي هو المراد الجدّي أو لا؟ ومقتضى القاعدة هو التطابق بين الإرادتين… إنّما الكلام في وجود المانع عن هذا الإقتضاء، ومع العلم بأنّ حق الرجوع إنما هو في الرجعيّة دون البائن، يسقط أصالة عدم الإستخدام ويتعيَّن إرجاع الضمير إلى بعض «المطلَّقات».
وعلى الجملة، فإنّ موضوع أصالة العموم تام في المقام، أمّا أصالة عدم الإستخدام فلا موضوع لها.
لا يقال(1): إن أصل عدم الإستخدام يجري بلحاظ آخر، أعني لحاظ اللاّزم، وهو أن نثبت به عدم وقوع التخصيص في العام، فيجري الأصلان كلاهما، كما لو خرج الثوب مثلاً عن طرف الإبتلاء، فإن أصالة الطهارة غير جارية فيه، لكن تجري فيه بلحاظ الملاقي له الذي هو مورد للإبتلاء حتى يترتب الأثر في الملاقي.
لأنّا نقول: هذا صحيح في الاصول الشرعيّة، فنجاسة الملاقي من آثار الثوب شرعاً وإنْ خرج عن محلّ الابتلاء، لكنْ لمّا كان مثبتات الاصول اللّفظية حجة، فلا حاجة إلى ترتيب الأثر من ناحية الشارع، لأنه بمجرّد جريان الأصل اللّفظي ـ لوجود المقتضي لجريانه ـ يترتّب الأثر.
وأشكل السيد البروجردي(2): بأنه لا يوجد هنا احتمال التعارض بين الأصلين، لأن المشكوك فيه هو كيفية استعمال الضمير، وهو مسبّب عن الشك في أصالة العموم، فإذا جرى في طرف المسبب، لم يبق موضوع للأصل السببي، فلا مجال لتوهم التعارض.
أجاب الأُستاذ: بأن المورد ليس من قبيل الشك السببي والمسببي، فإنّ أحد الشكّين هو في كيفية استعمال الضمير والآخر في ناحية العام، والمنشأ لكليهما هو العلم بإرادة خصوص الرجعيّات من «المطلقات»، فليس الشك في الضمير مسبّباً عن الشك في العام حتى تجري قاعدة الشك السببي والمسببي.
هذا، وقد قرّب السيد القول الأول ببيان آخر(3) هو: إنّ العام قد استعمل في العموم وأصالة العموم فيه محكّمة، وكذا الضمير، فإنّه يرجع إلى العام بلا كلام، إلاّ أنّ المشكلة في المراد الجدّي وتطابقه مع الإستعمالي، أمّا في الضمير، فلا ريب في عدم التطابق، لعلمنا بعدم إرادة جميع المطلقات، بخلاف العام فإنّه لا وجه للشك في التطابق فيه، فتجري أصالة العموم فيه، ولا تجري أصالة عدم الإستخدام في الضمير، ولا تعارض.
وفيه: إنّ أساس هذا التقريب هو دعوى تماميّة المقتضي لأصالة العموم، وهي أوّل الكلام، لوجود الضمير المقطوع بالمراد منه، فإنه بظهوره السياقي يحتمل المانعيّة عن انعقاد الظهور للعامّ في العموم، فتقوى المعارضة بين الأصلين.
(1) هذا الإشكال طرحه الميرزا وأجاب عنه.
(2) نهاية الاصول: 323.
(3) نهاية الاصول: 323.