دفاع الأُستاذ عن الكفاية
وأجاب شيخنا عن هذه الإشكالات:
أمّا الأوّل، فإن تقسيم (الكفاية) كذلك ليس بلا أثر، لأنّ تعلّق النهي بجزء العبادة أو شرطها أو وصفها مفسدٌ أو لا، هو ممّا وقع فيه الخلاف، فالمحقق النائيني يقول باقتضاء النهي عن الجزء لفساد العبادة خلافاً للكفاية. وأيضاً، فإنّ النهي عن الوصف الملازم أو المفارق في صورة الاتحاد الوجودي، يسري إلى العبادة أو لا يسري؟ فصاحب (الكفاية) يرى السراية، وفي ذلك بحثٌ.
إذنْ، ليس ذكر هذه التقسيمات في المقام بلا أثر.
وأمّا الثاني ففيه: إنّ هذا الكلام إنما يتمُ لو كان للمركب وجود غير وجود الأجزاء كما في المركبات الحقيقيّة، لكنّ المركب الاعتباري ـ كالصّلاة ـ ليس إلاّ نفس الأجزاء من التكبير والقيام والركوع والسجود، وعلى هذا، فإنْ كانت العبادة ما له حسن ذاتي، فإنْ هذا المركب حسن ذاتاً، ولو كان بعض أجزائه ليس عبادةً لم يتّصف بالحسن، لأن المركب من الحسن وغير الحسن يستحيل أن يكون حسناً بذاته. وإن كانت العبادة ما لا يسقط الأمر به إلاّ بالإتيان به بقصد القربة، فإن المركّب ليس له إلاّ أمر واحد لا عدّة أوامر بعدد الأجزاء، وقد ذكر المحقق الإصفهاني في مبحث الاشتغال أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب واحد بالوحدة الحقيقيّة وبسيط بالبساطة الحقيقية، غير أنّ المتعلَّق مركَّب، وعلى ذلك يقال له: كيف يكون البسيط توصّلياً وتعبديّاً معاً؟
وأمّا الثالث ففيه: إنْ وجه التفريق بين الغصب والجهر والإخفات هو تعلّق النهي في الجهر والإخفات بنفس الوصف، قال تعالى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها)(1) وفي الخبر: «رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهارُ فيه…»(2) فكان الوصف لازماً للقراءة غير منفك عنه. أمّا في الغصب، فإن المتعلَّق للنهي هو الغصب لا الغصب في الصّلاة، فكان وصفاً مفارقاً، وبهذا السبب قسّم في (الكفاية) الوصف إلى القسمين… والإشكال مندفع.
وأمّا الرابع، فالجواب: إن الوصف على قسمين، فهو تارةً: ينضمّ إلى الموصوف كما في البياض بالنسبة إلى الجدار، ولا اتّحاد في هذا القسم بين الوصف والموصوف، واخرى: هو وصف انتزاعي كما في الفوقية والتحتية مثلاً، فإنّ الاتحاد ثابت بينه وبين الموصوف، إذ ليس الفوقية منضمّة إلى السقف بل هي مفهوم متّحد معه وجوداً… والغصبية من هذا القبيل، لأنها عنوان منتزع من التصرف في مال الغير بلا إذن منه. فمنشأ الإشكال هو الخلط بين القسمين من الوصف.
(1) سورة الإسراء: الآية 110.
(2) وسائل الشيعة 6 / 86، الباب 26، الرقم: 2.