تنبيهات
الأوّل: هل يعتبر عدم وجود القدر المتيقَّن؟
قال في الكفاية في مقدمات الإطلاق:
ثالثتها: انتفاء القدر المتيقَّن في مقام التخاطب، ولو كان المتيقَّن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام في البين، فإنه غير مؤثر في رفع الإخلال بالغرض لو كان بصدد البيان كما هو الفرض…(1).
وتوضيحه: إن القدر المتيقَّن من الطبيعي الذي يرد عليه الحكم، تارةً خارجي، كالفقيه الذي يفرض كونه القدر المتيقن خارجاً من قوله: «أكرم العالم» كما أنّ القدر المتيقن من الفقيه هو الجامع للشرائط… وهذا القسم من القدر المتيقن موجود سواء كان هناك أمرٌ أو تخاطب أو لم يكن… ووجوده غير مانع من انعقاد الإطلاق للكلام، وإلاّ لما تحقّق إطلاقٌ لكلام.
واخرى: يكون القدر المتيقَّن في مقام التخاطب، بأنْ يكون هناك مكالمة ومحاورة فيسأل عن شيء ويعطي الجواب عنه، فيكون مورد السؤال والجواب هو القدر المتيقن من الكلام المطلق. وقد مثَّل له في (المحاضرات)(2) بموثقة ابن بكير: سأل زرارة أبا عبداللّه عليه السلام عن الصّلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: إن الصّلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصّلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسدة، لا تقبل تلك الصّلاة حتى يصلّي في غيره ممّا أحل اللّه أكله»(3) فالقدر المتيقن بحسب التخاطب هو مورد السؤال، ضرورة أن إرادة الإمام عليه السلام غيره غير محتمل جزماً، وأما العكس بأنْ لا يريد غيره، فهو محتمل… فوجود هذا المتيقَّن يمنع من انعقاد الإطلاق للكلام.
وقد أورد الأُستاذ على هذا المثال: بأنّه ليس من صغريات القدر المتيقَّن في مقام التخاطب على مبنى السيد الخوئي، لأنه يذهب إلى أنه لا حاجة إلى مقدّمات الحكمة في موارد العموم الوضعي، بل اللّفظ بنفسه دالّ على العموم وضعاً، وجواب الإمام في الموثقة عام وليس بمطلق، والمحقق الخراساني لا يرى مانعيّة القدر المتيقن في مقام التخاطب عن انعقاد العموم.
لكن الصحيح هو التمثيل بصحيحة زرارة الواردة في قاعدة التجاوز، إذ سأل الإمام عن الشك في الأذان وقد دخل في الإقامة، فأجاب بعدم الاعتناء بالشك. ثم سأل عن الشك فيهما وقد كبّر، فأجاب بعدم الاعتناء به، وهكذا جعل يسأل عن الشك في أجزاء الصّلاة بعد تجاوزها، فقال الإمام عليه السلام: «يا زرارة، إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشي»(4). فالموارد التي سأل عنها زرارة هي القدر المتيقَّن من هذا المطلب الكلّي الذي ذكره الإمام عليه السلام، وبناءً على مسلك (الكفاية) لا يمكن التمسك بإطلاق الكلام المذكور مع وجود القدر المتيقن، بل يجب الاعتناء بالشك فيما عداه، أمّا إذا لم يتم مسلكه، فإنْ إطلاق الكلام يشمل الحج وغيره من الواجبات ذوات الأجزاء أيضاً، ولا يعتنى بالشك في الجزء السابق بعد الدخول في اللاّحق.
(1) كفاية الاصول: 247.
(2) محاضرات في اصول الفقه 4 / 538.
(3) وسائل الشيعة 4 / 345، الباب 2 من أبواب لباس المصلّي، رقم 1.
(4) وسائل الشيعة 8 / 237، الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، رقم 1.