تطبيق البحث على مسألة الشكّ في كريّة الماء
وإنّ من جملة المسائل المتفرّعة على بحث استصحاب العدم الأزلي مسألة ما لو شك في كريّة ماء من جهة الشك في صدق عنوان الكرّ عليه، بعد تحديد الكرّ بكذا عدد من الأشبار، فهل هذا الماء كرٌّ أو لا؟ فلو لاقى نجساً ينفعل أو لا؟ قولان.
ذهب الشيخ إلى الإنفعال(1)، وصاحب (الجواهر) إلى عدم الإنفعال(2)وتبعه صاحب (العروة)(3)، بخلاف مسألة ما لو شك في أنّ لهذا الماء مادّة أو لا؟ فقال هناك بالانفعال… ومن المحشين ـ كالسيّد الشاهرودي ـ من قال بالطّهارة في كليهما، ومنهم: قال بالنجاسة في كليهما وهو المختار عند الأُستاذ. وقد استدلّ لهذا القول بوجوه:
الأول: قاعدة المقتضي والمانع. فالماء المشكوك الكريّة بنحو الشبهة المصداقية مع عدم العلم بالحالة السابقة نجس، من حيث أنّ الملاقاة مع النجس تقتضي النجاسة وأمّا المانع وهو الكريّة فمشكوك فيها… فالماء محكوم بالنجاسة. وهذا مبنى الشيخ هادي الطهراني وتلامذته.
إلاّ أن الإشكال في تمامية أصل القاعدة المذكورة كما ذكر الشيخ وغيره.
الثاني: التمسّك بعموم العام في الشبهة المصداقية، لأن مقتضى العمومات تنجّس الماء بالملاقاة، والقدر الخارج هو الكرّ، فمتى شكّ في كريّة الماء تمسّك بعموم العام وحكم بنجاسة الماء بالملاقاة.
وهذا الوجه يبتني على جواز التمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّة.
الثالث: الأخذ بقاعدة أسسّها الميرزا هي: كلّما ثبت حكم إلزامي لموضوع ثمّ ورد عليه المخصّص، فلابدّ من العمل بالحكم الإلزامي حتى يحرز المخصّص. مثلاً: يحرم التصرّف في مال الغير، وهذا حكم إلزامي، إلاّ أنه خصّص بمورد رضا المالك، لكنْ لا يجوز التصرف إلا بعد إحراز الرضا. وكذلك ما نحن فيه، فإنّه يجب الإجتناب إلزاماً عن الماء إذا لاقى النجس إلاّ إذا كان كرّاً، فإنّ الحكم بوجوب الإجتناب محكّم إلاّ إذا اُحرز كريّة الماء.
قال الأُستاذ: وقد بُحث في محلّه عن هذه القاعدة وظهر عدم تماميّتها.
الرابع: استصحاب عدم وجود الكرّ في هذا الحوض مثلاً، تعرّض له الشيخ في (كتاب الطهارة) ولا يأخذ به، لكونه أصلاً مثبتاً، لأنّ لازم عدم وجود الكرّ في هذا الحوض عقلاً عدم كريّة هذا الماء.
الخامس: إستصحاب العدم الأزلي لكريّة هذا الماء، فإنّه لمّا لم يكن لم يكن كرّاً، وبعد الوجود نشكّ في كريّته، فنستصحب عدمها.
وهذا هو الوجه العمدة في الفتوى بنجاسة الماء المشكوك الكريّة.
(1) كتاب الطّهارة 1 / 159.
(2) جواهر الكلام 1 / 171 .
(3) العروة الوثقى، أحكام المياه، فصل: الرّاكد بلا مادّة، المسألة 7.