تحقيق الأُستاذ
وذلك يتّضح ضمن بيان اُمور:
الأمر الأوّل
إن الاعتبارات الثلاثة التي ذكروها كلّها وجودات ذهنيّة للماهيّة; ولذا عندما نريد أنْ نحكم على الموضوع بحكم خارجي، نجعل الصورة الذهنية مرآةً للخارج، وإلاّ، فإن الوجود الذهني قسيمٌ للوجود الخارجي، وعليه، فإذا أردنا حمل «جنس» على «الإنسان» وقلنا: «الإنسان جنسٌ»، فلابدّ من لحاظ «الحيوان» لا بشرط عن خصوصية البقرية والغنميّة وغيرهما من الخصوصيّات، حتى يكون اعتبار الماهية لا بشرط طريقاً إلى الموضوع في تلك القضية، وكذا إذا لوحظت الماهية مع خصوصية، كلحاظ «الإنسان» مع خصوصية «الزنجيّة» مثلاً، فإنّ هذا اللّحاظ «البشرط شيء» طريق لرؤية الموضوع خارجاً.
فالاعتبارات الثلاثة وجودات ذهنيّة وتصوّراتٌ للماهيّة في الذهن، هي طريقٌ لتشخّص الموضوع وتعيّنه في القضايا الخارجيّة.
الأمر الثاني
إنه قد ظهر مما تقدّم: امتياز «اللاّبشرط المقسمي» عن «اللاّبشرط القسمي»، فكلاهما (لا بشرط) لكنّ الافتراق في المتعلَّق، إذ هو في (الأوّل) الاعتبارات الثلاثة. فهو لا بشرط عن تلك الاعتبارات واللحاظات، أمّا في (الثاني) فهو ما وراء الذات، بأنْ لا يلحظ مع الذات شيء، لا الوجود ولا العدم، في مقابل (البشرط شيء) و(البشرط لا).
إنما الكلام في:
الأمر الثالث
هل (الماهيّة المهملة) نفس (اللاّبشرط المقسمي) أو غيره؟
قد تقدّم أنّ المحقق الإصفهاني يرى أن «الماهيّة المهملة» غير «اللاّبشرط المقسمي» خلافاً للمشهور، وخلاصة دليله هو: أنّ الماهيّة عندما تلحظ بذاتها مجرّدةً عن أيّ شيء آخر ـ حتّى عن عدم لحاظ أيّ شيء آخر معها ـ فهي التي ليست هي إلاّ هي، ولا تصلح لأنْ تكون مقسماً، لأنّ المقسميّة عنوان إضافي يتحقّق بلحاظ ماوراء الذات.
وقد تبعه على ذلك السيّد الخوئي(1).
وأمّا دليل القول المشهور فملخّصه هو: إنّ حقيقة التقسيم تخصّص الذات بخصوصيّتين متباينتين أو أكثر، حيث الخصوصيّة متباينة والذات هي الجهة المشتركة بين الجميع… ولحاظ ماهيّة الإنسان ـ مثلاً ـ وانقسامها بالاعتبارات الثلاثة من هذا القبيل، فتكون ماهيّة الإنسان مقسماً لها، حيث يكون الإنسان (بشرط لا) ماهيّة مجرّدة، و(بشرط شيء) ماهيّة مخلوطة، و(لا بشرط) ماهيّة مطلقة… فالإنسان الذي لحظ بنحو اللاّبشرط هو الإنسان المجرَّد من كلّ شيء، فهو الماهيّة المهملة، وهو اللاّبشرط المقسمي، فالذي يطرء عليه التقسيم ويكون مقسماً هو الماهيّة من حيث هي هي.
وقد أوضح الأُستاذ رأي المشهور: بأنّ القسم والمقسم والتقسيم، كلّها امور تتعلّق بالماهيّة ـ وأمّا الوجود فهو عين التشخّص، ولا يقبل الاتّصاف بالقسمية أو المقسميّة، ولحاظ الماهيّة هو وجودها بالوجود الذهني، وهو أيضاً غير قابل للاتّصاف بذلك، لكونه جزئيّاً ـ لكنْ الماهية المجرّدة من جميع الخصوصيات حتى من اللّحاظ… فهي القابلة للاتّصاف والانقسام، لأنَّ حقيقة التقسيم عبارة عن ضمّ ما به الامتياز إلى ما به الاشتراك، فما به الاشتراك هو الماهيّة المجرّدة، وما به الامتياز هو الاعتبارات الثلاثة، فكان (المقسم) هو (الماهيّة المجرّدة المهملة)، وهي المركب لهذه الخصوصيّات، ولذا نقول: الماهيّة بشرط شيء، والماهيّة بشرط لا، والماهية لا بشرط… فكانت الحيثيّات واردة على الذات، وبورود كلّ واحدة يحصل للذات قسمٌ، ومتى ما جرّدناها من الأوصاف كانت لا بشرط… فالذي يصير لا بشرط عن العلم والجهل و… هو (الإنسان) وعن الإيمان والكفر… هو (الرقبة) وهكذا….
فهذا هو البرهان لقول المشهور، وعليه الوجدان، فإنّ البشرط هو الرقبة المؤمنة، والبشرط لا هو الرقبة وعدم الإيمان، واللاّبشرط هو الرقبة المجرّدة عن الإيمان وعدم الإيمان….
فحاصل كلام المشهور هو: إن الماهيّة بنفسها هي التي تتّصف بالاعتبارات الثلاثة، لا أن اللاّبشرط المقسمي الذي تلحظ فيه الماهيّة مضافةً إلى الخارج هو المعروض للحيثيّات… فظهر عدم الخلاف بين المشهور والمحقق الإصفهاني، وأن كلام الجميع يرجع إلى شيء واحد هو: أنّ المقسم عبارة عن الذات غير الملحوظ معها شيء آخر، وأنها عندما تلحظ مضافةً إلى شيء آخر تكون قسماً.
وعلى الجملة، فإنّ اللاّبشرط المقسمي هو الماهيّة المقسم بين الاعتبارات الثلاثة، واللاّبشرط القسمي فهو اللاّبشرطية بالنسبة إلى الخارج عن الذات، فالإنسان الملحظ بالنسبة إلى الخارج عن الذات كالعلم مثلاً، عندما يؤخذ مجرّداً عن العلم والجهل، يكون الماهية اللاّبشرط القسمي، وإنْ لحظ لا بشرط عن كلّ الاعتبارات الثلاثة، فهو اللاّبشرط المقسمي… فكان اللاّبشرط القسمي من أقسام اللاّبشرط المقسمي.
الأمر الرابع
هل (الكلّي الطبيعي) هو (اللاّبشرط القسمي) أو (اللاّبشرط المقسمي)؟
قال جماعة من الفلاسفة ـ وتبعهم الميرزا ـ بالأول. وقال آخرون ومنهم الحاجي السبزواري بالثاني. ومن العلماء من قال: بأنّ الكلّي الطبيعي هو الماهيّة المهملة ـ لا اللاّبشرط القسمي ولا اللاّبشرط المقسمي ـ وهذا مختار شيخنا الأُستاذ.
(1) أجود التقريرات 2 / 422. الهامش.