تحقيق الأُستاذ
إنّ حجيّة كلّ خبر ـ كما هو معلومٌ ـ متوقفة على تمامية ثلاث جهات هي جهة السند والدلالة والصدور. ولابدّ للتمامية من الفحص وإلاّ فلا حجيّة… والفحص فيها راجع إلى أصل الإقتضاء للحجيّة، وبعد الفراغ عن ذلك تصل النوبة إلى البحث عن المزاحم.
وأمّا في الاصول العمليّة الشرعيّة، فإنّ مبنى ما ذكره صاحب (الكفاية) هو إطلاق دليل الأصل الذي قال بتقيّده بالإجماع، إلاّ أنه قد تقدّم أنّ المستند لحجيّة العامّ هو بناء العقلاء، وبناؤهم على حجّيته محدودٌ ـ من أوّل الأمر ـ بما بعد الفحص عن المخصّص، فيرجع الأمر إلى أصل الحجيّة، ولا يبقى فرق بين مورد العمومات والاصول.
نعم، لو كان المستند لحجيّة العام هو العلم الإجمالي، فالحجيّة تامة والعلم الإجمالي مزاحم لها، إلاّ أنه ذهب إلى ما ذكرناه من أن المستند هو بناء العقلاء….
والحاصل: عدم تماميّة تفريقه بين العمومات والاصول.
(قال): والتحقيق هو منع الإطلاق في أدلّة الاصول الشرعيّة، من جهة مسلك الشارع بالنظر إلى الآيات مثل (هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لا يَعْلَمُونَ)(1)والأحاديث مثل «طلب العلم فريضة»(2) فمسلكه طلب العلم والخروج عن الجهل، فلو كان دليل الأصل ـ مثل «رفع ما لا يعلمون» ـ مطلقاً، لزم أن يكون الشارع مشجّعاً على الجهل. فبهذه القرينة نرفع اليد عن الإطلاق في أدلّة الاصول الشرعيّة.
أمّا في العمومات، فإنّ الأصل الأوّلي هو التطابق بين مقامي الثبوت والإثبات وكون الإرادة الجدّية على طبق الإرادة الاستعمالية، ومقتضى ذلك هو اقتضاء الحجيّة في العمومات، لكنّ هذا الاقتضاء ليس على إطلاقه، بل السيرة العقلائية في حجيّة العام قائمةٌ على تماميّة العموم بعد الفحص، فلذا يكون الفحص فحصاً عن المزاحم.
وعلى الجملة، فإنّه بعد تماميّة جهات الحجيّة في العام صدوراً ودلالةً وجهةً، يكون المخصّص المنفصل مزاحماً للحجيّة، والفحص عنه فحصٌ عن المزاحم، لأنّ السّيرة العقلائيّة التي تستند إليها حجيّة العام إنّما هي بعد الفحص عن المخصص….
فالأُستاذ موافق للكفاية في المدّعى وما ذكرناه هو الوجه الصحيح عنده للفرق بين العمومات ـ والإطلاقات ـ وبين الاصول العملية الشرعيّة.
(1) سورة الزمر: الآية 9.
(2) وسائل الشيعة 27 / 25، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، رقم: 15.