بيان المحاضرات
وفي (المحاضرات) بيانٌ لحمل المطلق على المقيّد في هذه الصورة قال(1):
إن المحتملات في مقام الثبوت أربع:
الأول: أن يحمل المطلق على المقيّد. والثاني: أن يحمل المطلق على أفضل الأفراد. والثالث: لا هذا وذاك، فيبنى على تعدد التكليف لكن من قبيل واجب في واجب آخر، نظير ما لو نذر المكلَّف الإتيان بالصّلاة الفريضة في المسجد. والرابع: أن يكون كلّ من المطلق والمقيَّد واجباً مستقلاًّ، نظير ما إذا أمر بالماء على نحو الإطلاق، والغرض غسل الثوب، ثم أمر بالماء البارد لأجل الشرب.
(قال): وأمّا في مقام الإثبات:
فالإحتمال الثاني خلاف الظاهر جدّاً، لأن حمل الأمر الظاهر في الوجوب على الندب يحتاج إلى دليل، وإذْ لا يوجد دليلٌ يفيد الترخيص، فلابدّ من الأخذ بظاهره وهو الوجوب.
والإحتمال الثالث كذلك، لعدم كون المقام من هذا القبيل، والوجه في ذلك هو: إن الأوامر المتعلّقة بالقيودات والخصوصات في باب العبادات والمعاملات ظاهرة في الإرشاد إلى الجزئيّة أو الشرطيّة، وليست ظاهرة في المولويّة، كما أن النواهي المتعلّقة بها ظاهرة في الإرشاد إلى المانعيّة من جهة تلك الخصوصيّة كما في: «لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه»، و«نهى النبي عن بيع الغرر». هذا، مضافاً إلى أن الأمر في أمثال هذه الموارد قد تعلَّق بالتقيُّد لا بالقيد، فصرف الأمر عنه إليه خلاف الظاهر جدّاً.
والإحتمال الرابع، يتصوّر على نحوين: أحدهما: أن يسقط كلا التكليفين معاً بالإتيان بالمقيد. وثانيهما: عدم سقوط التكليف بالمطلق بالإتيان بالمقيّد، بل لابدّ من الإتيان به أيضاً.
أمّا الأوّل: فإنه ـ وإنْ كان ممكناً ثبوتاً ـ لا يمكن القول به إثباتاً، للزوم لغويّة الدليل المطلق، لأن الإتيان بالمقيَّد إذا كان موجباً لسقوط الأمر بالمطلق أيضاً، فلا محالة يكون الأمر بالمطلق لغواً وعبثاً.
وأمّا الثاني ففيه: إنه لابدّ حينئذ من تقييد الأمر بالمطلق بحصّة غير الحصّة المأخوذة في المقيَّد، وإلاّ فلا موجب لعدم سقوط الأمر بالمطلق بالإتيان بالمقيَّد مع كونه حصّةً من المطلق، والتقييد خلاف الظاهر، ولابدَّ له من دليل، والمفروض عدمه.
فالإحتمال الرابع أيضاً ساقط.
وإذا سقطت الإحتمالات الثاني والثالث والرابع، تعيَّن الأوّل وهو حمل المطلق على المقيد.
(1) محاضرات في اصول الفقه 4 / 545.