بيان الشرط الأول (الترتب بين المقدّم و التالي)
فإن النسبة اللزومية بين الشرط والجزاء هي بنحو الترتب، بمعنى أنّ المقدّم هو العلّة للتالي، ولو كان المقدّم هو المعلول والتالي هو العلّة، لم يستلزم الإنتفاء عند الإنتفاء.
وقد استدلّ لذلك بوجهين:
أحدهما: إن الجملة الشرطية دالّة على الترتب والمعلوليّة بالوضع.
وفيه: إنه لا دليل على هذه الدعوى، إذ لا شيء من علائم الحقيقة في هذا المقام، بل إن صحّة الحمل في مثل: إذا كان النهار موجوداً فالشمس طالعة، تشهد بعدم وضع الجملة الشرطية للترتب.
الوجه الثاني: ما أفاده الميرزا(1) وحاصله: إنّ مقتضى التطابق بين مقامي الثبوت والإثبات هو الترتب بين التالي والمقدّم، إذ لا ريب في تقدم العلّة على المعلول في مقام الثبوت، ومقتضى الأصل الأولي أن يكون كلام المتكلّم غير الغافل ملقياً ما هو المتحقّق خارجاً إلى ذهن السامع، بأنْ يكون كلامه مطابقاً للنظم الواقعي، وكونه على خلافه خلاف الأصل.
وعلى الجملة، فإنْ تقديم المتكلّم المجيء على الإكرام في مقام الإثبات يكشف عن تقدّمه عليه في مقام الثبوت، وهذا هو الترتب والدلالة عليه في الجملة الشرطية.
وبهذا التقريب يقوى هذا الاستدلال ويظهر النظر فيما قيل(2) من: أنه يتوقف على أنْ يكون المتكلّم في مقام بيان عليّة المجيء للإكرام، ولا يكون في مقام مجرّد الإخبار عن وجوب الإكرام في فرض مجي زيد، أو مجرّد إنشاء هذا المعنى.
وجه النظر: إن إلقاء الكلام من المتكلّم الملتفت بهذا الشكل الخاص يكشف عن إرادته إفادة الترتب، وإلاّ لجاء بالكلام على وضع آخر. وتوضيحه: إنه لا ريب في إفادة الجملة الشرطية للترتب، وإنما الكلام في إنه مختصّ بالترتّب في الواقع أو أنه أعمّ من الواقع والاعتبار؟ وبعبارة اخرى: إنّ الكلام في سعة الترتّب وضيقه، يقول المحقق الاصفهاني: إن الشرطيّة تفيد الترتّب، أمّا أن يكون في الخارج كذلك فلا، بل يمكن أن يكون في اعتبار العقل، بأن يعتبر الشيء مقدّماً والآخر متأخّراً، كما في: إن كان الإنسان ناطقاً فالحمار ناهق، فهو ترتب عقلي وإن لم يكن له واقعيّة في الخارج.
فإنْ تمّ كفاية مطلق الترتب بطل كلام الميرزا.
لكنْ إن كان مراد الميرزا: إن الأصل في القضايا الملقاة هو إفادة الواقعيّات لا صِرف الاعتبارات العقلية التي لا واقعية لها، فالمتكلّم الحكيم يريد إحضار الواقع إلى ذهن السامع بكلامه الذي يلقيه، فلمّا كان مترتّباً دلّ على كون الواقع مترتباً كذلك.
فإيراد بعض أعلام تلامذته غير وارد عليه.
(1) أجود التقريرات 2 / 249.
(2) محاضرات في اصول الفقه 4 / 202 ـ 203.