الوجه الثالث
وذهب الميرزا إلى الجواز(1)، قائلاً بأن التركيب بين المتعلّقين انضمامي ـ خلافاً لِما تقدَّم من أنه تركيب اتحادي، إذ أنه يلزم الاجتماع بينهما في الوجود ـ فهو يرى أنّ متعلَّق الأمر يختلف ماهيّة ووجوداً عن متعلَّق النهي، غير أنّ أحدهما منضمّ إلى الآخر في الوجود.
وقد عقد لمسلكه مقدمات، نتعرّض لما له دخل في المطلب مع رعاية الاختصار:
الاولى:
إن المعاني التي تفهم من الألفاظ ـ وبهذا الاعتبار تسمّى بالمفاهيم ـ تارةً تلحظ بما أنها مدركات عقليّة، واخرى: تلحظ بما أنها منطبقة على مصاديقها في الخارج، فاللّحاظ الأوّل موضوعي والثاني طريقي، وهي باعتبار الثاني معروضة لاحدى النسب الأربع.
والمفاهيم على أربعة أقسام، لأن منها ما له بأزاء ومنها ما يكون انتزاعيّاً، والأول: إمّا يكون ما بأزائه في الخارج كالسّماء والأرض، وإمّا يكون في عالم الاعتبار كالملكيّة والزوجيّة، والثاني: إمّا يكون منشأ انتزاعه في الخارج كسببيّة النار للحرارة، وإمّا يكون في عالم الاعتبار، كسببيّة الحيازة للملكيّة.
فإن لوحظت هذه المفاهيم باللّحاظ الموضوعي، كانت النسبة فيما بينهما نسبة التباين، وإنْ لوحظت باللحاظ الطريقي وبما هي فانية في الخارج، عرضت عليها النسب الأربع.
والمقصود من هذه المقدّمة هو: التعريض بنظريّة المحقق شريف العلماء، إذ قال بجواز الاجتماع بين الأمر بالصّلاة والنهي عن الغصب اجتماعاً آمريّاً، لأنَّ الآمر يوجّه الأمر إلى الصّلاة والنهي إلى الغصب، فلا يلزم أيّ محذور في مرحلة الأمر، وإنما الاجتماع يأتي في عمل المأمور وهناك يحصل المحذور… فيقول الميرزا: بأنّ الإجتماع الآمري إنما لا يلزم حيث ينظر إلى «الصّلاة» و«الغصب» بالنظر الموضوعي، أمّا إذا لوحظا باللّحاظ الطريقي، تحقّق بينهما العموم من وجه في مرحلة الجعل وكان المحذور آمريّاً.
الثانية:
إنّ التركيب بين المبادئ انضمامي وبين المشتقات اتّحادي، وذلك لأن مبادئ المشتقات مأخوذة بشرط لا، ولذلك لا يصح الحمل بينها، مثلاً: العلم والعدالة لا يصح حمل أحدهما على الآخر، ولا على الذات المعروضة لهما، فلا يقال زيد علم، بخلاف عنوان العالم والعادل… إذن… المشتقات قابلة للحمل والاتحاد بخلاف المبادئ.
وبعبارة اخرى: إنه يشترط في التركيب الاتحادي وجود جهة اشتراك وجهة افتراق، وهذه الخصوصيّة موجودة في المشتقات دون المبادئ، وذلك لوجود العالم غير الفاسق، والفاسق غير العالم، والعالم الفاسق… هذا في المشتقات، أمّا في المبادي فلا، لكونها مقولات، والمقولات بسائط ولا يعقل التركيب فيها حتى يكون فيما بينها جهة اشتراك وجهة افتراق… بل إنّ العلم مباينٌ بتمام ذاته للعدالة وبالعكس… ولذا لا يقال: العلم عدل، لكنْ يقال: العالم عادلٌ… إذن: لا يصحّ حمل «الصّلاة» على «الغصب» وبالعكس، فلا يصح الاتحاد بينهما.
وبعبارة ثالثة: إن ماهيّة كلّ مبدء من المبادي يمكن تحقّقها بتمام ماهيّتها معزولةً عن غيرها، فماهيّة الصّلاة في المكان المغصوب نفس الماهيّة في المكان المباح، والغصب في غير مورد الصّلاة هو الغصب في موردها، فلو كان الاتحاد بين «الصّلاة» و«الغصب» ـ في حال الاتيان بها في المكان المغصوب ـ اتحاديّاً لما كان للصّلاة تحقّق في غير المكان المغصوب، كما هو الحال في الحيوان الناطق، فإنه مع الاتحاد بينهما لا يعقل وجود أحدهما بمعزل عن وجود الآخر… فإذن… ليس التركيب بين «الصّلاة» و«الغصب» اتحاديّاً بل هو في الدار المغصوبة انضمامي.
وحاصل الكلام هو أنْ لا اتّحاد بين الصّلاة والغصب، بل التركيب بينهما انضمامي، وعلى هذا، تخرج المسألة من باب التعارض، فإنْ عجز عن امتثال كلا الحكمين، كانت من صغريات باب التزاحم ولزم الرجوع إلى قواعد ذلك الباب.
(1) أجود التقريرات 2 / 157 ـ 160.