النكرة
قال في الكفاية:
ومنها: النكرة مثل رجل في (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدينَةِ)(1) أو في جئني برجل. ولا إشكال في أن المفهوم منها في الأول ولو بنحو تعدّد الدالّ والمدلول، هو الفرد المعيّن في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل، كما أنه في الثاني، هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة، فيكون حصّةً من الرجل وكليّاً ينطبق على كثيرين لا فرداً مردداً بين الأفراد. وبالجملة: النكرة أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم، إمّا هو فرد معيّن في الواقع غير معيّن للمخاطب أو حصّة كليةً، لا الفرد المردد بين الأفراد… فلابدّ أنْ تكون النكرة الواقعة في متعلّق الأمر هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة، فيكون كلّياً قابلاً للانطباق.
أقول:
إن لفظ «المردّد» و«المبهم» موضوعٌ في لغة العرب وليس بمهمل، فله معناه ومفهومه، غير أنه مفهوم لا مصداق له في الخارج، لأن الخارج ظرف التشخّص والتعيّن، وأمّا معناه الموضوع له فليس بنكرة، إذ لا يعقل التردّد في ذات المفهوم. فما في كلام بعض الاصوليين من أنّ مدلول النكرة هو الفرد المردّد، غير صحيح، لأنه إنْ كان فرداً فلا يعقل أن يكون مردداً أيضاً، بل التردّد في الوجود هو المحال.
وأمّا ما ذكره في (الكفاية): من أنه الفرد المعيَّن في الواقع المجهول عند المخاطب، ففيه: إنّ المعنى المستعمل فيه كلمة «الرجل» هو الجنس، وقيد الوحدة فيه أتى من ناحية التنوين، فكان فرقٌ بين «النكرة» و«اسم الجنس»، لأنّ الجنس لا تقيّد فيه بالوحدة ولذا يصدق على القليل والكثير، بخلاف النكرة، فمدلولها الجنس بقيد الوحدة، وعليه، فلا فرق في كلمة «رجل» بين الآية والمثال، إذ المعنى في كليهما هو الطبيعة المقيَّدة بقيد الوحدة، غير أنّ الأول معيّن خارجاً، وكونه مجهولاً عند المخاطب قد استفيد من قرينة خارجية. فليس معنى الكلمة والمستعمل فيه في الآية هو المعيَّن في الخارج المجهول عند المخاطب.
والحاصل: إن المستعمل فيه الكلمة في كلا المثالين هو نفس الطبيعة والجنس، غير أن قيد الوحدة استفيد من التنوين، وأمّا كونه في الأول معيناً خارجاً ومجهولاً عند المخاطب فتدلّ عليه القرينة الخارجية… وإذا كان الموضوع له والمستعمل فيه هو الطبيعة المقيّدة بالوحدة فهو في حد ذاته قابل للانطباق على أيّ فرد.
(1) سورة القصص: الآية 20.