المقدمة الثانية
كون المتكلّم متمكّناً من البيان، فإنْ لم يكن أو شك في تمكّنه، لم يمكن القول بإطلاق كلامه.
وقد جعل الميرزا ـ وتبعه في (المحاضرات) ـ هذه المقدمة هي الاولى، وأفاد أنّ بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة، فإنما يمكن التمسّك بالإطلاق حيث يمكن فيه التقييد، واستحالة التقييد تستلزم استحالة الإطلاق.
ولا يخفى ما لهذا المبنى من الأثر، وذلك، لأنّ لموضوع الحكم وكذا للمتعلَّق انقسامات هي متأخرة عن الحكم، ولا يمكن تقييد الموضوع أو المتعلَّق بشيء منها، إذنْ، لا يمكن حمل الكلام على الإطلاق بالنسبة إليها.
مثلاً: وجوب قصد القربة في الصّلاة مثلاً متأخر عن الحكم بوجوبها، وهو متأخر عنها. فكان قصد القربة في الصّلاة متأخراً عنها بمرتبتين، وحينئذ، يستحيل تقييدها بقصد القربة، فيستحيل الإطلاق في الصّلاة من جهة اعتبار قصد القربة. هذا في المتعلَّق.
وكذلك في الموضوع، لأنّه متقدّم رتبةً على الحكم، والمكلَّف ينقسم إلى العالم بالحكم والجاهل به، لكنّ هذا الانقسام متأخّر عن الحكم المتأخّر عن الموضوع، فيستحيل تقييد الموضوع بالعالِم بالحكم، وإذا استحال التقييد استحال الإطلاق، وحينئذ، لا يمكن التمسّك بإطلاق أدلّة التكاليف لإثبات الإشتراك في التكليف بين العالمين والجاهلين به.
وقد خالف الميرزا مسلك الشيخ، لأنّ الشيخ يذهب إلى أنه إذا استحال التقييد وجب الإطلاق، ومن هنا يتمسّك بإطلاقات أدلّة التكاليف لإثبات الإشتراك، وبإطلاق دليل وجوب المتعلّق على عدم وجوب قصد القربة… فالشيخ قائل بأن التقابل من قبيل التضاد.
وتوضيح المطلب هو: إنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد في مقام الإثبات يختلف عنه في مقام الثبوت. أمّا في مقام الإثبات، فإنه تارةً يقول: أعتق رقبةً، واخرى يقول: أعتق رقبةً مؤمنة، فهنا يكون التقابل من قبيل العدم والملكة، لأن التقييد أمر وجودي والإطلاق عدم هذا التقييد، وحيث أنّ موضوع الإطلاق والتقييد في هذا المقام هو ما يكون المتكلّم فيه متمكّناً من التقييد، فتارةً يأخذ القيد فيه واخرى لا يأخذه، فهو وجود وعدم في موضوع خاص، فيكون من قبيل العدم والملكة، وله شق ثالث وهو حيث لا يكون المتكلّم متمكّناً من التقييد، فليس هناك إطلاق ولا تقييد.
وأمّا في مقام الثبوت فهناك مراحل، تبدأ من الغرض ثم الإرادة ثم الحكم… وهو فعل اختياري ناشئ من تصوّر الموضوع ولحاظه، فتارةً يلحظه مع الخصوصيّة الدخيلة في الغرض فيكون مقيداً، واخرى يرى أن لا دخل لوجود الخصوصيّة وعدمها في الغرض، فلا يأخذها في الموضوع، فيكون بشرط تارةً واخرى لا بشرط، وكلاهما أمر وجودي، فالحق مع الشيخ.
فالنسبة بين الإطلاق والتقييد في مقام الثبوت نسبة التضاد، وفي مقام الإثبات نسبة العدم والملكة.
Menu