المقام الأول (لو كان حكم الفرد على خلاف حكم العام)
لو ورد «يجب إكرام العلماء» ثم قال: «يحرم إكرام زيد» فشك في أن حرمة إكرام زيد هي بسبب كونه جاهلاً فهو خارج تخصّصاً، أو بسبب آخر مع كونه من العلماء فيكون خروجه تخصيصاً… فقيل: بجريان أصالة العموم وعدم التخصيص، فيكون العام باقياً على عمومه، ولازم جريان هذا الأصل خروج زيد تخصّصاً وأنه ليس بعالم، وقد تقرّر حجيّة مثبتات الاصول اللّفظيّة.
وذهب صاحب (الكفاية) وجماعة إلى عدم جواز التمسّك بالعام، لأنّ لفظ «العلماء» في الدليل مستعملٌ في مدلوله وهو العموم، والمتكلّم مريدٌ لهذا الاستعمال فالإرادة الاستعمالية ثابتة، وهذه هي الدلالة التصديقية الاولى… ثم إنّ للمتكلّم إرادة جديّة على طبق تلك الإرادة الاستعمالية، فظهور كلامه في وجوب إكرام جميع العلماء مرادٌ له جدّاً، وهذه هي الدلالة التصديقية الثانية، إلاّ أنّه لا وجه للتمسّك بالعام لإدخال «زيد» تحته، لا من حيث الإرادة الاستعمالية، لأن مقتضى أصالة العموم في يجب إكرام العلماء هو وجوب إكرام كلّ من كان متّصفاً بالعلم، لكنّ العام لا يتكفّل بيان حال موضوعه ولا يعيّن من هو العالم. ولا من حيث الإرادة الجديّة، لأنّ مقتضى هذا الأصل أنّ من كان عالماً فهو المراد الجدّي في وجوب إكرامه، ولا يعيّن الفرد….
فظهر أن لا طريق من ناحية العام لبيان حال الفرد المشكوك فيه… وحينئذ، لا موضوع للاّزم العقلي، لأن لوازم الاصول اللّفظيّة حجّة مادام يكون هناك ملزوم، وإذْ لا جريان لأصالة العموم فلا لازم.
وبتقريب آخر:
إنّ أساس الاصول اللّفظية ـ كأصالة العموم ـ هي السيرة العقلائية، ومركزها ما إذا كان المراد مشكوكاً فيه، فإنه مع هذا الشك يتمسّك بالأصل، وأمّا حيث يكون المراد معلوماً فلا، وما نحن فيه من هذا القبيل، لأنّ المفروض عدم الشك في مراد المولى، فإنه قد حرّم إكرام زيد، بل المشكوك فيه كون زيد من قبل داخلاً تحت العام ثمّ اُخرج، أو أنه لم يكن داخلاً، وهذا أمر آخر، وليس يجري الأصل اللّفظي فيه.
وبتقريب ثالث:
إنّ مجرى أصالة العموم هو الشك، في أصل التخصيص أو في التخصيص الزائد، ومورد البحث ليس منهما.
Menu