السابعة: (في الأصل في المسألة لو شك في دلالة النهي على الفساد)
تارةً: نبحث عن مقتضى الأصل في المسألة الاصوليّة، واخرى: عن مقتضى الاصل في المسألة الفرعيّة. هذا في المعاملة. وأمّا في العبادة، فالأصل هو الفساد لعدم الأمر بها مع النهي عنها.
قالوا: لا أصل يعوّل عليه في المسألة الاصولية، لأنّ البحث إن كان عقلياً، فهو يعود إلى وجود الملازمة بين النهي والفساد وعدم وجودها، لكن الملازمة وجوداً وعدماً أزليّة، ولا حالة سابقة حتى تستصحب… وإن كان لفظياً، فيعود إلى دلالة النهي التزاماً على الفساد وعدم دلالته، والدلالة الالتزامية فرع للملازمة بين الأمرين، وهي وجوداً وعدماً أزلية ولا حالة سابقة.
قال الأُستاذ: لكن الحق هو التفصيل، فقد يقال بأنّ النهي في المعاملة إرشاد إلى الفساد وأنه ظاهر في ذلك، وعلى هذا، فللأصل مجال، لأنَّ ظهور اللّفظ في المعنى تابع للوضع وهو من الامور الحادثة المسبوقة بالعدم، فمع الشك يستصحب العدم.
وعلى الجملة، فإنه على القول بكون النهي في المعاملة ظاهراً في الفساد، فمع الشك يكون المرجع هو الأصل، اللهم إلاّ أن لا يجري الأصل لعدم الأثر، وهذا أمر آخر… فما ذهب إليه المحقق الإصفهاني من عدم الأصل حتى على مبنى ظهور النهي في الإرشاد إلى الفساد، في غير محلّه(1).
وأمّا في المسألة الفرعيّة، فقد أفاد الميرزا(2) أنّ الأصل في المعاملة هو الفساد، لأنه مع الشك في صحة المعاملة يشكّ في ترتّب الأثر عليها، وحينئذ فالأصل بقاء كلٍّ من العوضين على ملك مالكه. وأمّا في العبادات، فإنّ الأصل الجاري فيها لدى الشك في الصحة هو قاعدة الاشتغال، إلاّ في موارد الأصل الثانوي كقاعدة الفراغ مثلاً، كما أنه يمكن وجود القاعدة الثانوية المقتضية للصحة في المعاملة كذلك، كأصالة الصحة في عمل الغير… هذا في الشبهة الموضوعيّة.
وأمّا في الشبهات الحكمية الكليّة في المعاملات فقد قالوا بأصالة الفساد.
قال الأُستاذ: جريان هذا الاستدلال منوط بعدم كون الشك في المورد من قبيل الشك بين السبب والمسبب. مثلاً: لو شك في أنه هل الفصل الطويل بين الإيجاب والقبول مبطل للصيغة أو لا؟ فقد يقال برجوعه إلى الشك في اعتبار الاتصال، ومع جريان البراءة من اعتباره تصحّ المعاملة ويرتب عليها الأثر… لحكومة البراءة عن شرطية الاتصال على أصالة الفساد في المعاملة، فتأمّل.
ثم إن المحقق الإيرواني علَّق على كلام (الكفاية) هنا بما حاصله(3): إنما يحتاج إلى الأصل العملي حيث لم يتّضح دلالة النهي على الفساد، فيحتمل الصحة واحتمالها احتمالٌ لوجود الأمر مع الشك في مانعيّة النهي، وحينئذ يحكّم إطلاق الأمر.
لكن فيه: إنه يناقض كلامه في أوّل مبحث اجتماع الأمر والنهي إذ قال: ما له معنىً محصّل هو أن للأمر دلالةً على عدم النهي وللنهي دلالة على عدم الأمر. فيقال له: لا ريب في تعلُّق النهي بالعمل ومعه فلا أمر كما ذكر حتى يتمسّك بإطلاقه؟
على أنّ صاحب (الكفاية) يرى التضادّ بين الأحكام الخمسة، فمع وجود النهي يستحيل وجود الأمر، فأين الأمر حتى يتمسّك بإطلاقه؟
أمّا في العبادات، فقد أفاد الميرزا: بأنْ الرجوع إلى الأصل يبتني على الخلاف في جريان الأصل في موارد الشك بين الأقل والأكثر، فعلى القول بالبراءة تكون العبادة صحيحة، وهي فاسدة على القول بالاشتغال.
وأشكل عليه الأُستاذ: بأنْ مقتضى القاعدة هو الفساد مطلقاً، لأنه مع وجود النهي لا أمر حتى يقصد، وأمّا الصحّة بقصد الملاك فموقوفة على إحرازه وهو في مثل ما نحن فيه أوّل الكلام.
وأمّا المحقق الإصفهاني(4) فملخّص ما أفاده في المقام:
أمّا في المسألة الاصولية، فلا أصل يعوّل عليه، لأنّ الصحّة إن كانت عبارةً عن موافقة الأمر، فالمفروض عدم الأمر، وإنْ كانت مطابقة المأتي به للمأمور به في الملاك، فالمفروض واجدية العمل لجميع الأجزاء والشرائط، فالمطابقة حاصلة فلا شك حتى يرجع إلى الأصل.
وأمّا في المسألة الفرعية، فقد بنى المسألة على الخلاف في أنّ اقتضاء النهي عقلي أو لفظي، فعلى القول الأول يكون الأصل هو الفساد، إذْ كونها عقلية معناه ملازمة النهي لمبغوضية العمل، وإذا كان مبغوضاً فالعمل فاسد بلا كلام، وإلاّ فلا… ومع الشك في عدم المبغوضية لا يكون صالحاً للمقربية، فهو فاسد. أمّا على القول الثاني، بأنْ يكون البحث في الدلالة اللفظية للنهي وأنه إرشاد إلى المانعيّة أو لا؟ فإن الشك يرجع إلى وجود المانع والأصل عدمه.
(1) نهاية الدراية 2 / 391.
(2) أجود التقريرات 2 / 212.
(3) نهاية النهاية 1 / 246 ـ 247.
(4) نهاية الدراية 2 / 391.