الرابعة: (في المراد من النهي؟)
إنه ينقسم النهي إلى التشريعي والذاتي، والثاني إلى الإرشادي والمولوي، والثاني إلى التبعي والنفسي، والثاني إلى التنزيهي والتحريمي.
أمّا النهي التشريعي، فداخل في البحث، سواء كان التشريع معاملةً أو عبادةً، فلو أدخل في الدين عبادةً ليست منه أو معاملةً، فلا ريب في شمول البحث له ـ بناءً على أنّ التشريع هو نفس العبادة أو المعاملة وليس بأمر قلبي ـ لأنه يكون مبغوضاً للمولى، فلا يترتب عليه الأثر.
وأمّا النهي الذاتي الإرشادي، كقوله: لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه، فإنّه إرشاد إلى المانعيّة، إذ معناه أنّ الصلاة قد اعتبرت بشرط لا عن وقوعها فيما لا يؤكل لحمه، فلو اُتي بها فيه لم تقع كما اعتبر المولى فهي فاسدةٌ، كما لو اُتي بها فاقدةً لجزء وجودي كالسجود مثلاً… اللّهم إلاّ في الموارد الخاصّة بدليل ثانوي مثل: لا تعاد الصّلاة إلاّ….
وأمّا النهي الذاتي المولوي:
فهو تارةً: تبعي كما في موارد دلالة الأمر بالشيء على النّهي عن ضدّه بناءً على القول بها، فإن هذا النهي إنّما جاء على الضدّ على أثر المزاحمة بينه وبين الضدّ المأمور به، لا لوجود مفسدة في نفس المتعلَّق للنهي. وقد وقع الخلاف في دخول هذا القسم في البحث، فقال الميرزا وجماعة(1) بعدم دخوله، لعدم اقتضاء هذا النهي للفساد، أمّا على القول بالترتب فواضح، حتى على مسلك صاحب (الجواهر) وهو اعتبار خصوص قصد الأمر في عبادية العمل، لأنّ الترتب يحقّق الأمر، وأمّا بناءً على إنكاره، فلأن المفروض وجود الملاك للعمل والنهي ليس بمزاحم له… والحاصل: أنّ العمل غير مبغوض وأنه لا نقص في ملاكه، فمقتضى القاعدة هو الصحّة.
والمختار عند الأُستاذ ـ في الدورتين ـ دخول هذا القسم في البحث، لأنّه بناءً على أنّ الأمر بالشيء ملازم عقلاً مع النهي عن ضدّه، يكون العمل منهيّاً عنه حقيقةً ـ وإنْ كان ملاك النهي هو المزاحمة ـ، وكلّ عمل ينهى المولى عنه فالعقل يحكم بعدم صلاحيته للمقربيّة، ولا أقل من الشك في ذلك، فهو فاسد.
واُخرى: نفسي، وهو على قسمين، أحدهما: التحريمي، وهذا لا كلام في دخوله، لأنه منشأ للفساد بلا إشكال. والثاني هو التنزيهي.
وفي دخول النهي المولوي التنزيهي مثل: لا تصلّ في الحمام ونحوه، بحث وخلاف، فصاحب (الكفاية) أدخله والميرزا أخرجه، والوجه في ذلك هو: أنّه إنْ كان النهي تحريميّاً فالترخيص في التطبيق مرتفع، أمّا مع التنزيهي، فالترخيص في التطبيق موجود فلا ملاك للفساد.
والمختار عند الأُستاذ ـ في الدّورتين ـ هو الأوّل، لأن موضوع البحث هو اقتضاء النهي للفساد وعدم اقتضائه له، سواء كان دليل العبادة أو المعاملة ـ وهو الإطلاق ـ بدليّاً أو شموليّاً، فإنْ كان بنحو الإطلاق البدلي ـ كما في صلّ ولا تصلّ في الحمام ـ فلا منافاة بين النهي التنزيهي والترخيص في التطبيق، وأمّا إن كان بنحو الإطلاق الشمولي، كما لو قال أكرم كلّ عالم ثم قال: لا تكرم النحويين، فإنّ النهي عن إكرام النحويين وإن كان تنزيهياً، لا يجتمع مع الأمر بإكرام العلماء بنحو الشمول، فيكون داخلاً في البحث… فالحق هو القول الأوّل… إلاّ إذا كان النهي التنزيهي إرشاداً إلى قلّة الثواب في العبادة، فهو غير داخل في البحث، لأن قلّة الثواب عليها ملازمٌ لصحّتها.
(1) أجود التقريرات 2 / 202.