الدليل العقلائي
قال في (الكفاية)(1) ما حاصله: إنّ أصالة العموم أصلٌ عقلائي، وملاكه هو أصالة التطابق بين الإرادة الاستعمالية والجدية، ولكنّ العقلاء إنما يتمسّكون بهذا الأصل حيث لا يكون العام في معرض التخصيص، لكنّ عمومات الكتاب والسنّة في معرض التخصيص، فلا تطابق عند العقلاء بين الإرادتين فيها.
وعلى هذا، فلا مقتضي لأصالة العموم ولا موضوع لدليل الحجيّة، بل لابدّ من الفحص عن المخصص حتى يتحقق موضوع أصالة التطابق.
وقد وافقه المحقق العراقي(2)… وقال شيخنا بتمامية هذا الوجه صدراً وذيلاً.
(ثمّ قال): ولو شكّ في تمسّك العقلاء بمثل هذه العمومات التي هي في معرض التخصيص، كفى الشكُّ في عدم الجواز.
ثم ذكر الإجماع على عدم جواز التمسّك بالعام من باب التأييد، من جهة أنه يوجب الشكّ في قيام السّيرة العقلائية على الأخذ به قبل الفحص، لأنّ الفقهاء والاصوليين هم القدر المتيقّن من العقلاء، فسواء كان مستند الإجماع هو العلم الإجمالي كما تقدم في الوجه السابق أو كون العمومات في معرض التخصيص كما في هذا الوجه، فإنّه يُوجد الشك في السّيرة، وهو كاف لعدم جواز التمسّك في هذه الحالة.
وبما ذكرنا يظهر: ما في إيراد السيّد الحكيم من دعوى قيام السيرة مع الظنّ بالتخصيص على الأخذ بالعام… وكأن منشأ السهو في كلامه هو الخلط بين المقام ومسألة حجية الظواهر، حيث يبحث هناك عن حجية الظواهر مع الظن بالخلاف، وأنه هل الظن بالخلاف مانع عن الظهور وحجيته أو لا؟ وقد تقرر هناك أن حجيّة الظاهر غير مشروطة، لا بكون الظن موافقاً ولا بعدم كونه مخالفاً، لأنّ بناء العقلاء في مقام العبوديّة والمولويّة هو التنجيز والتعذير، فيأخذون بالظاهر لكونه حجّةً ويؤاخذون به حتى مع الظن بالخلاف… بخلاف مسألتنا هذه، فإن العام الذي هو في معرض التخصيص لا يجوز الإحتجاج به عقلاءً، وهذا مقصود المحقق الخراساني، فلا يرد عليه الإشكال.
وبما ذكرنا يظهر أيضاً: ما في كلامه من أنّ عمل العقلاء مبني على أساس العلم الإجمالي وهو ملاك وجوب الفحص… لأنّ ذلك يرجع إلى مرحلة المانع، وكلام (الكفاية) في أصل المقتضي.
كما لا يرد عليه أن الإجماع المذكور يحتمل استناده إلى العلم الإجمالي. ففيه: ما أشرنا إليه من أنّ صاحب (الكفاية) يقصد بيان كيفية وقوع الشك في السيرة.
(1) كفاية الاصول: 226.
(2) نهاية الأفكار (1 ـ 2) 529.