الجهة الثالثة (هل يسقط النهي بالمعصية؟)
قال في الكفاية:
ثم إنه لا دلالة للنهي على إرادة الترك لو خولف أو عدم إرادته، بل لابدّ في تعيين ذلك من دلالة ولو كان إطلاق المتعلّق من هذه الجهة، ولا يكفي إطلاقها من سائر الجهات(1).
وتوضيح ذلك: إن النواهي في الشّريعة المقدّسة على قسمين: فقد ينهى الشارع عن شيء، ولا يبقى النهي لو خولف بصرف الوجود، كما في النهي عن التكلّم في الصّلاة مثلاً، فإنّه ـ على مسلك صاحب (الكفاية) ـ طلب الترك، فإذا تعلّق الغرض بعدم التكلّم في الصّلاة وجاء النهي عنه، فإن صرف وجوده فيها يوجب عدم تحقق الغرض، وحينئذ لا يبقى النهي ليكون التكلّم الثاني والثالث مضرّاً بالصّلاة، بل إنها بالأول بطلت.
وقد ينهى الشارع عن شيء ويكون كلّ واحد من أفراد التروك مطلوباً برأسه، كالمنع عن شرب الخمر، فإنه بارتكابه مرةً لا يسقط النهي بل يبقى متوجّهاً إلى الأفراد الأُخرى من هذا الفعل.
فهذا القسمان من النهي في عالم الثبوت متحقّقان.
فإن ورد وشك في أنه من أيّ القسمين فما هو مقتضى القاعدة؟
ذهب المحقق الخراساني إلى إنه يؤخذ بإطلاق الكلام من جهة المخالفة وعدمها، فإنه لمّا لم يقيّد النهي بالمرّة وغيرها، كان ظاهراً في بقائه بعد المعصية، (ثم قال): إنه لابدّ من وجود الإطلاق من هذه الجهة، ولا أثر لإطلاق الكلام من سائر الجهات، من الزمان والمكان وغير ذلك.
(1) كفاية الاصول: 150.