الثمرة الثانية
إنه بناءً على عموم الخطابات، يسقط احتمال دخل خصوصيّة الحضور، لأنّ المفروض كون الخطاب عامّاً، وأنّه لا يوجد في الكلام قيدٌ دالّ على اعتبار الحضور، فيؤخذ بإطلاق الخطاب. وأمّا بناءً على القول بالاختصاص بالمشافهين، فإنّ دفع الاحتمال المذكور يحتاج إلى دليل، ففي وجوب صلاة الجمعة بقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ)(1)على غير الحاضرين، لابدّ من التمسّك بمثل قاعدة الاشتراك ليعمّ الخطاب غير المشافهين، لكنّ القاعدة هنا غير جارية، لأنه دليلها هو الإجماع، وهو دليل لبّي والقدر المتيقن منه الحجة وهو الخصوصيات الصنفيّة، فالصّلاة الرباعية مشتركة لكنْ في صنف الحاضرين، والثنائية مشتركة لكنْ للمسافرين لا الأعم منهم والحاضرين، فلو اُريد تعميم الخطاب بقاعدة الإشتراك اعتبر إحراز الاتّحاد في الصنف مع الحاضرين، وهذا أوّل الكلام… وعليه، فإنّ المرجع في شمول الأحكام لغير المشافهين بناءً على القول بالاختصاص، بعد عدم تمامية قاعدة الإشتراك، هو الأصل. وهذه هي الثمرة.
وقد وافق الأُستاذ السيَّد الخوئي في ثبوت هذه الثمرة، خلافاً لصاحب (الكفاية) وذلك: لأنّ الخصوصيّة المحتمل دخلها في الحكم تارةً ذاتيّة واخرى عرضية، فلو كان المشافَهون للخطاب متّصفين بالعدالة ونحوها من الصفات العرضيّة المفارقة، أمكن التمسّك بإطلاق الخطاب لإلغاء الخصوصيّة فيعمُّ غيرهم، لأنّ العدالة من الأوصاف القابلة للزوال، فلو توجّه الخطاب للمشافهين وهم عدول ولم يقيَّد بالعدالة أمكن التمسّك بإطلاقه، لأنّ المفروض إطلاقه وعدم تقيّده بالعدالة، وأنَّ العدالة من الأوصاف المفارقة، فلو أراد المتكلّم الملتفت هذه الخصوصية لقيَّد خطابه بها وإلاّ لزم نقض الغرض، وحينئذ تتحكّم قاعدة الاشتراك. وأمّا إن كانت الخصوصية الموجودة في المشافهين ذاتيّة ككونهم هاشميين، فخاطبهم المولى بخطاب ونحن نحتمل دخل هذه الخصوصية في غرضه، فإنّه وإنْ لم يقيِّد الخطاب لكن لا يمكن التمسّك بإطلاقه، لكون الخصوصية غير مفارقة، وعدم تقييده الخطاب بها لا يستلزم نقض الغرض.
ومن الواضح أنّ خصوصية «الحضور» من قبيل الخصوصيات المفارقة والقابلة للزوال، فلو أراد المولى هذه الخصوصيّة كان عليه تقييد خطابه بها، وإذْ لم يقيّد أمكن التمسّك بإطلاقه، وإلاّ لزم نقض الغرض.
فالثمرة مترتبة. لأنه بناءً على القول بالعموم جاز التمسّك بالإطلاق، أمّا بناءً على القول بالاختصاص بالمشافهين، توقّف العموم لغيرهم على تمامية قاعدة الإشتراك، وهي إنما تتمُّ في الأوصاف المفارقة، أمّا في الأوصاف اللاّزمة فلا، وهذه هي مورد ظهور ثمرة البحث.
أقول
ولا يخفى أنّ تماميّة الإطلاق موقوفة على عدم لزوم نقض الغرض، بأن يكون ذلك من مقدّمات الحكمة، وهذا ما يلزم إثباته في محلّه.
(1) سورة الجمعة : الآية 9.