الثانية (هل تدخل دلالة الإيماء و الإشارة… في البحث؟)
إنه قد ظهر ممّا تقدّم أنّ المفهوم مدلولٌ للّفظ لكنْ بالدلالة الالتزامية باللّزوم البيّن بالمعنى الأخص، فما هو حكم دلالة التنبيه والإشارة والاقتضاء؟
وبيان ذلك هو: إن المدلول تارةً مقصود للمتكلّم واخرى غير مقصود، والأوّل تارةً: يكون الصّدق أو الصحة العقلية أو الشرعيّة متوقفاً عليه ـ أي على المدلول ـ واخرى: هو غير متوقّف عليه. فإن لم يكن المدلول مقصوداً للمتكلّم سمّيت الدلالة بـ«دلالة الإشارة» ومن ذلك: دلالة الآيتين على أقلّ الحمل على ما تقدّم، وهذه الدلالة موجودة وإنْ لم تكن مقصودةً.
وإن كان مقصوداً، فقد يكون صدق الكلام موقوفاً عليه عقلاً، كما في دلالة حديث الرفع، حيث توقّف صدقه على أنْ يكون المرفوع هو «المؤاخذة». وقد يكون صحّته عقلاً موقوفةً عليه كما في (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(1) فلولا تقدير كلمة «الأهل» لم يصح الكلام عقلاً، وقد يكون صحّته شرعاً موقوفةً عليه كما في قولك: أعتق عبدك عنّي، فإن صحّته تتوقف على أن يملّكك العبد ثم يعتقه وكالةً عنك، إذ لا عتق شرعاً إلا في ملك. وتسمى هذه الأقسام الثلاثة بـ«دلالة الإقتضاء».
وإنْ كان مقصوداً ولكن لا دلالة للصحّة أو الصّدق عليه أصلاً، فهي «دلالة الإيماء والتنبيه» كما في الحديث: أنه قال رجل لرسول اللّه: «هلكت وأهلكت يا رسول اللّه» فقال: «كفّر»(2). فإن كلامه صلّى اللّه عليه وآله يدلُّ على معناه المقصود منه لاقترانه بكلام الرجل.
فوقع الكلام بين العلماء في أنّ هذه الأقسام من الدلالات اللّفظيّة داخلة في المنطوق أو المفهوم أو خارجة من كليهما، فعن الميرزا القمي وجماعة أنها داخلة في الدلالة المنطوقية غير الصريحة، وقال المتأخرون: بل هي من الدلالات السّياقيّة، لا منطوقية ولا مفهوميّة فهي ليست لفظية….
وقد وافق الأُستاذ المتأخرين، لأن هذه الدلالات ليست من المفهوم، لعدم كون اللّزوم بيّناً بالمعنى الأخص، وليست في محلّ النطق حتى تكون منطوقيّة، على أنّها تتوقف في بعضها على مقدّمة خارجيّة كما في مثال العتق، إذ لابدّ من تصحيحه على ما تقدم، صوناً لكلام الحكيم عن اللغوية.
وأضاف في الدورة اللاّحقة: بأنّ بعض الأقسام منها غير محتاج إلى مقدّمة خارجيّة حتى يكون من اللزوم غير البيّن، بل هو من اللزوم البين بالمعنى الأعم، كما في قضية الآيتين ودلالتهما على أقلّ الحمل، وكما في الأمر بالكفارة في الحديث المذكور. وبعضها محتاج كما في مثال العتق، فهو من اللّزوم غير البيّن.
فما في كلام السيد الخوئي(3) من أن كلّها من اللّزوم غير البيّن مخدوش.
(1) سورة يوسف: الآية 82.
(2) وسائل الشيعة 10 / 46، الباب 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الرقم: 5.
(3) محاضرات في اصول الفقه 4 / 195 ـ 196.