الثالث (في انقسام العام إلى الاستغراقي و المجموعي و البدلي)
فالاستغراقي، عبارة عن لحاظ كلّ فرد فرد موضوعاً مستقلاًّ للحكم، بحيث لو جاء الحكم لا نحلّ على عدد الأفراد، وكان هناك إطاعات ومعاص بعددها.
والمجموعي، عبارة عن الاستيعاب لجميع الأفراد مع لحاظ الجميع موضوعاً واحداً، بحيث لو جاء الحكم فالامتثال أو المعصية واحد.
والبدلي، عبارة عن الإتيان بالحكم على الفرد بنحو صرف الوجود، ويكون الطاعة أو المعصية واحداً لا أكثر… لكنّ السعة هي في مقام تطبيق الموضوع على الفرد.
هذا، وقد استظهر من كلام صاحب (الكفاية) أن هذا الانقسام إنما هو بلحاظ تعلّق الحكم، فاُشكل عليه(1) بعدم توقّفه على ذلك، لأن المولى عندما يجعل الشيء موضوعاً لحكمه، لابدّ أن يلحظه في مرتبة الموضوع لاستحالة الإهمال، فهو يلحظه إمّا بنحو الاستغراق أو الاجتماع أو البدليّة، هذا في مقام اللّحاظ. وفي مقام البيان: لمّا يقول أكرم كلّ عالم أو: كلّ عالم يجب إكرامه، فلا توقف لدلالة الكلام على الشمول للموضوع على وجود الحكم وهو وجوب الإكرام….
والظاهر ورود هذا الإشكال.
إلا أن الأُستاذ ـ في الدورة اللاّحقة ـ أفاد بأنّه وإنْ كان قوله بأن اختلاف أنحاء العموم باختلاف الأحكام ظاهراً فيما نسب إليه، إلا أنه لابدّ من الدقّة في سائر كلماته هنا وفي الفصل اللاّحق ليتّضح مراده تماماً، وذلك لأنه في الفصل اللاّحق يصرّح بوجود اللّفظ الموضوع للعموم مثل «كلّ». فمن يقول بوضع هذه الكلمة للدلالة على العموم الاستغراقي، كيف يعقل أن يقول بأنّ الدلالة عليه ناشئة من الحكم؟ هذا أولاً.
وثانياً: إنه في نفس هذا الفصل يقول ـ بعد ذكر اختلاف أنحاء العموم باختلاف الأحكام ـ «غاية الأمر أنّ تعلّق الحكم به تارةً بنحو يكون كلّ فرد موضوعاً على حدة للحكم، واخرى بنحو يكون الجميع موضوعاً واحداً…» فإنّ هذا الكلام ظاهر في أنّ الاختلاف هو بسبب اختلاف الموضوعات.
فمع لحاظ كلماته الاخرى يندفع الإشكال.
(1) محاضرات في اُصول الفقه 4 / 300 ـ 301.