التفصيل في المسألة
فقد فصّل السيد الحكيم(1) في بين عوارض الوجود فقال بجريان استصحاب العدم الأزلي فيها، وعوارض الماهية فقال بعدم الجريان. ومورد الشكّ في كريّة الماء من قبيل الثاني، وعليه بنى في (المستمسك)(2)، لأنّ الكريّة هي السّعة في طبيعة الماء وذاته… ولذا يفرَّق بين كريّة الماء ولون الماء، فاللّون من عوارض وجود الماء، أمّا الكريّة فمن عوارض ذاته سواء كان موجوداً أو لا.
وعلى الجملة، فإنه إنْ كان المراد استصحاب عارض الماهيّة، فإنّ لحاظ الذات والماهيّة في مرتبة الذات يكفي لانتزاع العارض منها، كما ينتزع الإمكان من ملاحظة حدّ ذات الإنسان، فيقال بقابليّة هذه الذات للوجود وللعدم، فإنّ هذا المعنى لا ينفكُّ عن الذات وليس له حالة سابقة حتى تستصحب، فلا وجه للتفصيل المذكور. وإنْ كان المراد عوارض الوجود الذهني والخارجي كليهما كالزوجيّة بالنسبة إلى الأربعة، أو الذهني فقط كالنوعيّة للإنسان، أو الخارجي فقط كالبياض بالنسبة للجدار… فإن الاستصحاب في عوارض الوجود جار بلا إشكال.
وعلى الجملة، فقد دفع الأُستاذ ما أورد عليه في (التنقيح)(3) وأفاد بأنّ الإشكال الوارد على السيد الحكيم هو الإشكال الصغروي وذلك:
لأنّ الشك في كريّة هذا الماء الموجود ليس من قبيل عوارض الماهيّة، بل إنّ الكرية من مقولة الكم، فهي من عوارض الوجود، والاستصحاب جار بلا كلام.
هذا، والظاهر أنّ السيد الحكيم قد تأثّر بنظر استاذه المحقق العراقي في المقام، فإنّ له تفصيلاً يتوقف فهم كلامه فيه على ذكر مقدّمات:
1 ـ إنّ مجرى الاستصحاب هو الحكم الشرعي أو موضوعه أو نقيض الحكم الشرعي.
2 ـ إن نقيض كلّ شيء في مرتبة الشيء، فلو لم يكونا في مرتبة واحدة فلا تناقض.
3 ـ إن استصحاب العدم الأزلي يكون دائماً في مورد السالبة بانتفاء الموضوع، مثلاً: إنا نريد أن نجرّ بالإستصحاب عدم قرشية المرأة الثابت قبل وجودها حتى بعد وجودها، فهذا الإستصحاب يجري، لأنه من السالبة بانتفاء الموضوع، فلو لم يكن من هذا القبيل لما جرى.
وبعد المقدمات:
إن التقييد عملية ذهنية، فالشيء يكون منفصلاً عن الشيء، إلاّ أنه يحصل بينهما الارتباط في عالم الذهن كالارتباط بين زيد والعلم، ثم يقال: زيد عالم، لكنّ هذا التقييد: تارةً: يكون في حدّ الذات قبل الوجود مثل زيد العالم والمرأة القرشية والماء الكر، فإنّها تقييدات في صقع الذات، ولذا صحّ حمل الوجود والعدم كأن يقال: زيد العالم موجود، وزيد العالم معدوم. واخرى: يكون بعد الوجود كأن نقول: إن وجد زيد وكان عالماً، إنْ وجدت المرأة وكانت قرشيةً.
فإنْ كان التقييد من قبيل الأول، فهو غير دائر مدار وجود الموضوع، بل التقييد موجود مع عدم الموضوع، كما أن الملازمة بين الفساد وتعدّد الالهة موجودة وهي غير دائرة مدار وجود الالهة، وإنْ كان من قبيل الثاني، فيدور مدار الموضوع، فلا تقييد للمرأة بالقرشية قبل وجودها….
وعلى هذا، فإنّ الإستصحاب إنما يجري في الأول دون الثاني، لكونه بعد الوجود، وإذا كان بعده فنقيضه أيضاً بعده ـ بحكم المقدمة الثانية ـ وقد عرفت في المقدمة الثالثة أن المستصحب إما حكم الموضوع وإما نقيضه، ولا وجود لأحدهما بعد الوجود(4).
(1) حقائق الاصول 1 / 506.
(2) المستمسك في شرح العروة الوثقى 1 / 153.
(3) التنقيح في شرح العروة الوثقى 2 / 177.
(4) نهاية الأفكار (1 ـ 2) 528.