الإشكال على الميرزا
ويرد على الجواب المذكور وجوه:
أوّلاً: إنه لا يعقل الإندكاك في مورد البحث، لأن الإندكاك يكون في الحقيقة ذات المرتبة، فإذا حصلت المرتبة الشديدة للشيء اندكّت فيها المرتبة الضعيفة منه، كما في النور مثلاً… فما ذكره يتمُ في الملاكات والأغراض حيث المناط الضعيف يندكّ في القوي، أمّا في الأمر أو النهي التابع للملاك فلا يعقل الاندكاك، لأن الأمر عبارة الإنشاء، سواء كان حقيقته الإيجاد أو إبراز الاعتبار. والنهي كذلك، سواء كان طلب الترك كما عليه صاحب (الكفاية) والميرزا أو هو الزجر كما عليه غيرهما ـ واندكاك الإنشاء في إنشاء آخر غير معقول.
وثانياً: لو سلّمنا الاندكاك، فلا وجه لكون المرتبة الشديدة عبادةً وواجبة، لأنّ دليل الوجوب هو الأمر بالوفاء بالنذر، وهو وجوب توصّلي لا ينقلب إلى عبادي، كما أن الاستحباب التعبّدي لا ينقلب إلى التوصّلي، فمن أين ما ذكره الميرزا؟
وثالثاً: إن قياسه ما نحن فيه على باب الإجارة، مخدوش بأنّ متعلّق الأمر في صوم عاشوراء ليس مطلق الإمساك، بل هو الإمساك قربةً إلى اللّه، ومتعلّق النهي إن كان نفس الصوم كذلك، فالاجتماع حاصل، وإن كان هو التعبّد بهذا الصّوم كما ذكر الميرزا، فإنّ التعبّد يعني الإتيان به قربة إلى اللّه، فيكون نفس متعلَّق الأمر، ويلزم الاجتماع.
ورابعاً: إن طريق الحلّ الذي ذكره غير مناسب لمقام الإثبات، لأن محصّل كلامه هو تعدّد المتعلّق، وأنّ متعلّق الأمر هو نفس الصوم ومتعلَّق النهي هو التعبّد بهذا الصّوم، لكنّ الروايات الواردة في صوم يوم عاشوراء تدلّ على مبغوضيّة الصوم نفسه:
«عن عبداللّه بن سنان قال: دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام يوم عاشوراء ودموعه تنحدر على عينيه كاللؤلؤ المتساقط، فقلت: ممّ بكاؤك؟ فقال: أفي غفلة أنت! أما علمت أن الحسين ـ عليه السلام ـ أصيب في مثل هذا اليوم؟ فقلت: ما قولك في صومه؟ فقال لي: صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله يوم صوم كملاً، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلّت الهيجاء عن آل رسول اللّه. الحديث»(1).
لقد أمر عليه السلام بالإمساك بلا نيّة، إذنْ، لا عباديّة لصوم عاشوراء.
وعن عبدالملك: «سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صوم تاسوعا وعاشورا من شهر المحرم… ثم قال:
وأما يوم عاشورا، فيوم اُصيب فيه الحسين صريعاً بين أصحابه وأصحابه صرعى حوله، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلاّ وربّ البيت الحرام، ما هو يوم صوم، وما هو إلاّ يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام… فمن صام أو تبرّك به حشره اللّه مع آل زياد…»((2)).
وعن جعفر بن عيسى قال: «سألت الرضا عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه. فقال: عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين، وهو يوم يتشائم به آل محمّد ويتشائم به أهل الاسلام، واليوم الذي يتشائم به أهل الاسلام لا يصام ولا يتبرّك به…»(3).
وعن عبيد بن زرارة عن أبي عبداللّه: «من صامه كان حظّه من صيام ذلك اليوم حظّ ابن مرجانة وآل زياد. قال قلت: وما كان حظّهم من ذلك اليوم؟ قال: النار. أعاذنا اللّه من النار ومن عمل يقرّب من النار…»(3).
فالأخبار صريحةٌ بمبغوضية صوم عاشوراء. فلا وجه لما ذكره الميرزا.
(1) وسائل الشيعة 10 / 458، الباب 20 من أبواب الصوم المندوب، الرقم: 7.
(2 و 3) وسائل الشيعة 10 / 459، الباب 21، رقم 2 و 3.
(3) وسائل الشيعة 10 / 461، الباب 21، رقم 4.