الأمر العاشر (في ثمرة البحث)
وقد ذكر في هذا الأمر الصور المختلفة للبحث وثمرته في كلّ منها.
فقال ما ملخّصه:
أمّا على القول بالجواز: فلا إشكال في حصول الامتثال وسقوط الأمر بالإتيان بالمجمع بداعي الأمر المتعلّق بالطبيعة، سواءً في العبادات والتوصليات، أمّا في التوصليّات فواضح، لتحقّق الغرض من الأمر التوصّلي بمجرّد تحقق المأمور به خارجاً، وأمّا في التعبديّات، فلأن انطباق الطبيعة على هذا الفرد قهري، فيكون الإجزاء عقليّاً….
فلا إشكال حينئذ في الصّلاة في المكان المغصوب، كما لا إشكال في ارتكاب الحرام، لمعصية النهي عن التصرف في مال الغير بدون إذن منه.
وأمّا على القول بالإمتناع:
تارةً يقال: بتقدّم جانب الوجوب. فلا إشكال في حصول الامتثال وسقوط الأمر وعدم تحقق المعصية، لكون العمل مصداقاً للمأمور به دون المنهيّ عنه.
وتارةً يقال: بتقدّم جانب الحرمة، وهنا صور:
1 ـ أن يكون ملتفتاً إلى الحرمة، وفي هذه الصورة لا يمتنع قصد القربة، ولا يكون العمل مصداقاً للمأمور به، فلا يحصل الامتثال به.
2 ـ أن يكون جاهلاً عن تقصير، وفي هذه الصورة يكون العمل باطلاً، لأنّه ـ وإنْ كان المكلَّف يتقرَّب به، لجهله بالحرمة ـ عملٌ مبغوضٌ للمولى، وهو لا يصلح لأن يقع حسناً ويحكم بصحته.
3 ـ أن يكون جاهلاً عن قصور، وفي هذه الصّورة يحكم بصحّة الصّلاة، لكونها واجدةً للملاك، فتصلح للتقرب، وهو متمكن من القصد لأن جهله بالحرمة عن قصور لا تقصير، فلا يقع الفعل منه قبيحاً، بل يكون مشتملاً على المصلحة ومحصّلاً لغرض المولى وإنْ لم يكن امتثالاً.
هذا كلّه إن كان العمل عباديّاً كالصّلاة.
وأمّا إن كان توصليّاً، فإن الأمر يسقط بمجرّد حصول المأمور به في الخارج.
ثم قال رحمه اللّه: مع أنه يمكن أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك، فإن العقل لا يرى تفاوتاً….
ويقصد من ذلك استدراك ما تقدَّم منه من أنّ هذا العمل صحيح من جهة اشتماله على المصلحة وإنْ لم يكن امتثالاً للأمر، بناءً على تبعيّة الأحكام لِما هو الأقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعاً، لا لما هو المؤثر منها فعلاً للحسن أو القبح، لكونهما تابعين لما علم منهما كما حقق في محلّه… فيقول:
إنه يمكن أن يقال بحصول الإمتثال ـ في فرض الجهل بالحرمة قصوراً ـ حتى على القول بتبعيّة الأحكام لجهات المصالح والمفاسد واقعاً، لأن العقل لا يرى تفاوتاً بين هذا الفرد من الفعل وبين سائر الأفراد في الوفاء بالغرض من الطبيعة المأمور بها (قال): ومن هنا انقدح أنه يجزي ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحّة العبادة وعدم كفاية الإتيان بها بمجرَّد المحبوبيّة (قال): وبالجملة، مع الجهل قصوراً بالحرمة موضوعاً أو حكماً، يكون الإتيان بالمجمع امتثالاً وبداعي الأمر بالطبيعة لا محالة.
ثم قال:
غاية الأمر، أنّه لا يكون ممّا تسعه بما هي مأمور بها لو قيل بتزاحم الجهات في مقام تأثيرها للأحكام الواقعيّة. وأمّا لو قيل بعدم التزاحم إلاّ في مقام فعليّة الأحكام لكان ممّا تسعه وامتثالاً لأمرها بلا كلام.
وهذا منه استدراك آخر. يعني: إنّ تصحيح العمل بالإتيان به بداعي الأمر بالطبيعة، إنما هو على القول بتزاحم الملاكات في مقام تأثيرها في الأحكام ووقوع الكسر والانكسار فيما بينها، فإنه بناءً عليه يكون المجمع مورداً للنهي، لأن المفروض تقدّمه من جهة كون مناطه أقوى من مناط الأمر. وأمّا لو قيل بعدم التزاحم فيما بينهما إلاّ في مقام فعليّة الأحكام، لكان ممّا تسعه الطبيعة بما هي مأمور بها، ولكان الإتيان بالمجمع امتثالاً للأمر المتعلَّق بالطبيعة بلا كلام، إذ بناءً عليه، لا تزاحم في مقام الإنشاء بل هو في مقام الفعليّة، والمفروض عدم فعلية النهي، لأنه مع الجهل به قصوراً لا داعوية له، بل يكون الفعلي هو الأمر.
(قال): وقد انقدح بذلك الفرق بين ما إذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين وقُدّم دليل الحرمة تخييراً أو ترجيحاً حيث لا يكون معه مجال للصحة أصلاً، وما إذا كانا من باب الإجتماع وقيل بالامتناع وتقديم جانب الحرمة، حيث يقع صحيحاً في غير مورد من موارد الجهل والنسيان، لموافقته للغرض بل للأمر.
وقد أشار بقوله: «للغرض» إلى الوجه الأول. وبقوله: «بل للأمر» إلى الثاني.
(قال): ومن هنا علم أن الثواب عليه من قبيل الثواب على الإطاعة لا الانقياد ومجرّد اعتقاد الطاعة.
والضّمير عليه يعود إلى الإتيان بالمجمع.
(قال): وقد ظهر ممّا ذكرناه وجه حكم الأصحاب بصحّة الصّلاة في الدّار المغصوبة مع النسيان أو الجهل بالموضوع بل أو الحكم، إذا كان عن قصور. مع أن الجلّ لولا الكلّ قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة، ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر. فلتكن من ذلك على ذكر».