الأمر السادس (في اعتبار المندوحة و عدم اعتبارها)
ذهب صاحب (الفصول)(1) إلى اعتبار المندوحة في صحة النزاع في مسألة اجتماع الأمر والنهي، فلولا وجودها لا يبقى مجال للبحث… وقد وافقه المحقق الخراساني في حاشية الرسائل. أمّا في (الكفاية)(2)، فقد ذهب إلى أن التحقيق عدم اعتبارها فيما هو المهم في محلّ النزاع من لزوم المحال وهو اجتماع الحكمين المتضادّين.
أمّا وجه اعتبار المندوحة فهو: إنه مع عدم تمكّن المكلّف من الصّلاة في غير المكان المغصوب، يكون تعلّق النهي بها فيه من التكليف بغير المقدور وهو محال، إذن، لابدّ وأنْ يكون متمكناً من منها في غيره حتى نعقل النهي ويصح البحث عن الجواز والامتناع لو صلّى فيه.
وأمّا وجه عدم اعتبارها في صحة البحث: فلأنّا نبحث في مثل الصّلاة في الدار المغصوبة عن أنه يلزم التكليف المحال، أي اجتماع الضدين، أو لا يلزم؟ وهذا البحث بهذه الصورة لا علاقة له بوجود المندوحة وعدمها.
والحاصل: إنه اعتبر في حاشية الرسائل ـ تبعاً للفصول ـ عدم المندوحة حتى لا يلزم التكليف بالمحال، لكنّه في (الكفاية) يقول: بأن البحث ليس في التكليف بالمحال، وإنما في أنه هل يلزم في مفروض المسألة المحال ـ وهو اجتماع الضدين ـ أو لا؟ ولا دخل للمندوحة فيه.
وهذا هو الصّحيح، لأنّا إن قلنا بالامتناع فلا أثر للمندوحة. وان قلنا بالجواز وعدم لزوم اجتماع الضدّين، فإن كان له مندوحة فلا مشكلة، وإنْ لم تكن كان المورد من صغريات باب التزاحم… فظهر أنّ وجود المندوحة إنّما يؤثر على القول بالجواز، وأمّا في أصل البحث وطرح المسألة فلا دخل لوجود المندوحة وعدمها.
(1) الفصول الغرويّة: 123.
(2) كفاية الاصول: 153.