الأمر السابع (بين هذه المسألة و مسألة تعلّق الأمر بالطبيعة أو الفرد)
ذكر في الكفاية(1) توهّمين بالنظر إلى بحث تعلّق الأمر بالطبيعة أو الفرد وأجاب عنهما. الأول: إنّ النزاع في مسألتنا يبتني على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع، فإنه على هذا القول يقع النزاع في الجواز والامتناع، وأمّا على القول بتعلّقها بالأفراد فلا مجال للنزاع، إذ لا يكاد يخفى الامتناع، ضرورة لزوم تعلّق الحكمين بواحد شخصي ولو كان ذا وجهين، وهذا محال.
والتوهّم الثاني هو: إنّ القول بجواز الاجتماع هنا مبني على القول هناك بتعلّق الأوامر بالطبائع، لكون متعلَّق الحكمين متعدداً ذاتاً وإنْ اتّحدا وجوداً، وأن القول بامتناع الاجتماع مبني على القول بتعلّقها بالأفراد، لكون متعلَّقهما شخصاً واحداً في الخارج.
ثم قال في الجواب:
وأنت خبير بفساد كلا التوهّمين، وحاصل كلامه جريان البحث هنا، سواء قلنا هناك بتعلّق الأمر بالطبيعة أو بالفرد، لأنه بناءً على الأول لا يتعيّن القول بالجواز، لأنه وإنْ تعدّدت الطبيعة، لكون طبيعة الصّلاة غير ذات الغصب، لكنّ الطبيعتين في مرحلة الوجود واردتان على شيء واحد، وحينئذ، يتحقّق ملاك القول بالامتناع، لأن مدار البحث وحدة الوجود خارجاً وتعدّده… وكذا الحال بناءً على الثاني، لأن المراد من الفرد هو الحصّة من الماهيّة، وعلى هذا، فإن الفرد من ماهيّة الصّلاة غير الفرد من ماهيّة الغصب، فإذا حصل وجود الحصّتين من الماهيتين المختلفتين بوجود واحد جاء البحث عن الجواز والامتناع، لأنّ التركّب بينهما إن كان اتحاديّاً فالامتناع وإن كان انضماميّاً فالجواز.
نعم، لو قلنا بتعلّق الأمر بالفرد بضميمة أمارات التشخّص ـ من الزمان والمكان وسائر الخصوصيّات ـ لزم القول بالامتناع، للتباين بين الأفراد حينئذ بالضرورة. لكنّ المبنى باطل كما تقرّر في محلّه.
فظهر: أنه لا ارتباط بين هذه المسألة والمختار في تلك المسألة أصلاً.
الأمر الثامن (هل المسألة من باب التعارض بناءً على الامتناع؟)
ربما يتوهّم أنه على القول بالجواز تصحّ الصّلاة، لانطباق الطبيعة المأمور بها على هذا الفرد، فالإجزاء عقلي وإنْ كان عاصياً من جهة الغصب، وأمّا على القول بالامتناع، فالبحث من صغريات باب التعارض لا التزاحم، ويلزم الرجوع إلى قواعد التعارض من الترجيح أو التخيير أو التساقط ثم الرجوع إلى مقتضى الاصول.
فالمقصود هو الجواب عن توهّم كون المسألة ـ بناءً على الامتناع ـ من صغريات التعارض.
وتوضيح منشأ التوهّم هو: إن التعارض ـ كما لا يخفى ـ يكون تارةً بالتباين كما في: أكرم العالم ولا تكرم العالم، واخرى بالعموم من وجه كما في: أكرم العالم ولا تكرم الفاسق… فمورد العموم من وجه يعامل معه معاملة التعارض، والنسبة بين «صلّ» و«لا تغصب» من هذا القبيل، فلماذا يرجع فيه إلى التزاحم؟
أجاب المحقق الخراساني بما حاصله:
أمّا في مقام الثبوت: بأنّ هذه الصّلاة يمكن أن تكون فاقدةً للملاك، فلا يوجد فيها لا ملاك الصّلاتية ولا ملاك الغصبيّة، ويمكن أن تكون واجدةً لملاك الصّلاتية فقط، أو لملاك الغصبية فقط، أو للملاكين معاً.
فالوجوه الثبوتية أربعة:
فإنْ كان كلاهما بلا ملاك، فلا تعارض ولا تزاحم.
وإنْ كان أحدهما ذا ملاك والآخر بلا ملاك، فكذلك، بل يؤخذ بماله ملاك.
وإن كان كلاهما ذا ملاك، فإنْ قلنا بجواز الاجتماع أخذنا بكلا الملاكين، وإن قلنا بالامتناع أخذنا بالأقوى منهما، وإنْ لم يوجد الأقوى في البين رجعنا إلى دليل آخر أو إلى مقتضى الأصل.
وأمّا بحسب مقام الإثبات، فإنّ مورد التعارض عدم وجود الملاك لأحد الدليلين، ومورد اجتماع الأمر والنهي وجوده في كليهما، فالقول بجريان قاعدة التعارض بناءً على الإمتناع غير صحيح، بل إن مجرّد احتمال أن يكون كلّ من الدليلين ذا ملاك يوجب الأخذ بكلا الدليلين، فإن كانا في مقام بيان الحكم الاقتضائي طبّق قاعدة التزاحم، وإن كانا في مقام بيان الحكم الفعلي، فعلى الجواز يؤخذ بهما وعلى الإمتناع تطبّق قاعدة الإمتناع.
فظهر اندفاع التوهّم.
(1) كفاية الاصول: 154.