الأمر الرابع (هل هذه المسألة عقلية؟)
قال في الكفاية(1): قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه أن المسألة عقليّة….
أقول:
لا يخفى أن المسائل الاصولية منها عقلية ومنها لفظيّة، ولمّا لم يكن البحث في مسألتنا عن مدلول الأمر والنهي، فهو ليس من المسائل اللّفظيّة، فيكون ـ لا محالة ـ من المسائل العقلية.
والأحكام العقليّة تنقسم إلى المستقلة، غير المستقلة، والقسم الثاني منه ما يقع في طريق الاستنباط ومنه ما لا يقع.
أمّا ما لا يقع في طريق الاستنباط، فمثل درك العقل وجود المصلحة أو المفسدة الملزمة في شيء، ولكنّه يفيد الحكم الشرعي بضميمة قاعدة الملازمة.
وأمّا الحكم العقلي غير المستقل وغير الواقع في طريق الاستنباط، فكحكم العقل بوجوب إطاعة المولى، فإنه في مرتبة معلول الحكم الشرعي بوجوب الصّلاة مثلاً، فإنه يجب إثبات وجوبها شرعاً حتّى يتولّد منه الحكم العقلي بلزوم الإطاعة له.
وأمّا الحكم العقلي غير المستقل الواقع في طريق الاستنباط، فكحكمه باستحالة اجتماع الضدّين.
وبما ذكرنا يتّضح: أنّ بحث الاجتماع من المباحث الاصولية العقلية من قبيل القسم الأخير، فإنه إذا ضمّ هذا الحكم العقلي إلى صغرى اجتماع الأمر والنهي الشرعيين في الواحد ذي العنوانين، حصل الحكم الشرعي بصحّة الصّلاة أو فسادها….
ثم قال في (الكفاية):
وذهاب البعض إلى الجواز عقلاً والامتناع عرفاً، ليس بمعنى دلالة اللّفظ، بل بدعوى أن الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنين وأنه بالنظر المسامحي العرفي واحد ذو وجهين، وإلاّ فلا يبقى معنى للامتناع العرفي.
(1) كفاية الاصول: 152.